الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ ذَكَرَ نِعَمَهُ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ "مَا فِي السَّماواتِ" مِنْ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَنُجُومٍ وَمَلَائِكَةٍ تَحُوطُهُمْ وَتَجُرُّ إِلَيْهِمْ مَنَافِعَهُمْ. "وَما فِي الْأَرْضِ" عَامٌّ فِي الْجِبَالِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَمَا لَا يُحْصَى. (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) أَيْ أَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ: "وَأَصْبَغَ" بِالصَّادِ عَلَى بَدَلِهَا مِنَ السِّينِ، لِأَنَّ حُرُوفَ الِاسْتِعْلَاءِ تَجْتَذِبُ السِّينَ مِنْ سُفْلِهَا إِلَى عُلُوِّهَا فَتَرُدَّهَا صَادًا. وَالنِّعَمُ: جَمْعُ نِعْمَةٍ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ (بِفَتْحِ الدَّالِ) وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ. الْبَاقُونَ: "نِعْمَةً" عَلَى الْإِفْرَادِ، وَالْإِفْرَادُ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها﴾[[راجع ج ٩ ص ٣٦٦ فما بعد.]] [إبراهيم: ٣٤]. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهَا الْإِسْلَامُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (الظَّاهِرَةُ الْإِسْلَامُ وَمَا حَسُنَ مِنْ خُلُقِكَ، وَالْبَاطِنَةُ مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ سيئ عملك). النَّحَّاسُ: وَشَرْحُ هَذَا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾[[راجع ج ٦ ص ٨٠ فما بعد.]] [المائدة: ٦] قَالَ: يُدْخِلُكُمُ الْجَنَّةَ. وَتَمَامُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَكَذَا لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ يَئُولُ أَمْرُهُ إِلَى الْجَنَّةِ سُمِّيَ نِعْمَةً. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الصِّحَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ، وَالْبَاطِنَةُ الْمَعْرِفَةُ وَالْعَقْلُ. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: الظَّاهِرَةُ نِعَمُ الدُّنْيَا، وَالْبَاطِنَةُ نِعَمُ الْعُقْبَى. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ مَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْجَمَالِ فِي النَّاسِ وَتَوْفِيقِ الطَّاعَاتِ، وَالْبَاطِنَةِ مَا يَجِدُهُ الْمَرْءُ في نفسه من العلم بالله وَحُسْنِ الْيَقِينِ وَمَا يَدْفَعُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَدْ سَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا أَقْوَالًا تِسْعَةَ، كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى هَذَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي (الْحَجِّ) [[راجع ج ١٢ ص ٥ و١٥]] وَغَيْرِهَا. نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ، من أي شي هُوَ؟ فَجَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَخَذَتْهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي "الرَّعْدِ" [[راجع ج ٦ ص ٢٩٨.]]. وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. "يُجادِلُ" يُخَاصِمُ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أَيْ نَيِّرٍ بَيِّنٍ، إِلَّا الشَّيْطَانُ فِيمَا يُلْقِي إِلَيْهِمْ. ﴿وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ﴾[[راجع ج ٧ ص ٧٧.]] [الانعام: ١٢١] وَإِلَّا تَقْلِيدَ الْأَسْلَافِ كَمَا فِي الْآيَةِ بَعْدُ. (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) يتبعونه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب