الباحث القرآني
"الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ "مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ". وَيَجُوزُ أَنْ يكون في موضع خفض، بدل [[كذا في الأصول. والذي في النحاس والعبارة له: بدلا.]] من المؤمنين، أو من "بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا".
(اسْتَجابُوا) بِمَعْنَى أَجَابُوا وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ [[هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي يرثى أخاه أبا المغوار، وصدره:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَى]]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ أَبُوكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدَ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ. لَفْظُ مُسْلِمٍ. وعنه عَائِشَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ- تَعْنِي الزُّبَيْرَ وَأَبَا بَكْرٍ- مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدَ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ. وَقَالَتْ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ وَأَصَابَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ: (مَنْ يَنْتَدِبُ لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ بِنَا قُوَّةً) قَالَ فَانْتَدَبَ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ فِي سَبْعِينَ، فَخَرَجُوا فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَسَمِعُوا بِهِمْ وَانْصَرَفُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ. وَأَشَارَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مَا جَرَى فِي غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَهِيَ عَلَى نَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ، وَهُوَ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، نَادَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ بِاتِّبَاعِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: (لَا يَخْرُجُ مَعَنَا إِلَّا مَنْ شَهِدَهَا بِالْأَمْسِ) فَنَهَضَ مَعَهُ مِائَتَا رَجُلٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فِي الْبُخَارِيِّ فَقَالَ: (مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ) فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا. قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمُ الْمُثْقَلُ بِالْجِرَاحِ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَلَا يَجِدُ مَرْكُوبًا، فَرُبَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَعْنَاقِ، وَكُلُّ ذَلِكَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَانَا مُثْخَنَيْنِ بِالْجِرَاحِ، يَتَوَكَّأُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَخَرَجَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا وَصَلُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، لَقِيَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أَبَا سفيان ابن حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ جَمَعُوا جُمُوعَهُمْ، وَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوا [[في ج وهـ وط: يرجعوا.]] إِلَى المدينة فَيَسْتَأْصِلُوا أَهْلَهَا، فَقَالُوا مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُمْ: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". وَبَيْنَا قُرَيْشٌ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ مَعْبَدٌ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ النَّبِيِّ ﷺ وَعَيْبَةَ [[عيبة الرجل: موضع سره.]] نُصْحِهِ، وَكَانَ قَدْ رَأَى حَالَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا رَأَى عَزْمَ قُرَيْشٍ عَلَى الرُّجُوعِ لِيَسْتَأْصِلُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ احْتَمَلَهُ خَوْفُ ذَلِكَ، وَخَالَصَ نُصْحَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ عَلَى أَنْ خَوَّفَ قُرَيْشًا بِأَنْ قَالَ لَهُمْ: قَدْ تَرَكْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَهُمْ قَدْ تَحَرَّقُوا عَلَيْكُمْ، فالنجاء النجاء! فإني أنهاك عن ذلك، فو الله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ. قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ:
كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ [[الجرد: خيل قصيرة شعر الجلد. أبابيل: فرقا.]]
تُرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ [[ردت الخيل رديا ورديانا: رجمت الأرض بحوافرها في سيرها وعدوها. والتنابلة: القصار، واحدهم تنبال. والأميل: الذي يميل على السرج ولا يستوي عليه. وقيل: هو الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية. والمعازيل: القوم ليس معهم سلاح، واحدهم معزال.]]
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْتُ وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمُ ... إِذَا تَغَطْمَطَتِ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ [[في الروض الأنف:" تغطمطت البطحاء، لفظ مستعار عن الغطمطة، وهو صوت غليان القدر. قوله (الخيل) وفى هـ وابن هشام ط أوربا: الجيل. والأول فيه سناد. ولعله: الخيل جمع أخيل فلا سناد.]]
إِنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلِّ ذِي إِرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشٌ قَنَابِلُهُ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ [[الوخش: رذال الناس. والقنابل: الطائفة من الناس ومن الخيل، وفى ج وز والسيرة ط مصر مع الروض: تنابلة. وفى ط وى وهـ: تناتلة: تنتل الرجل إذا الرجل إذا تقذر بعد التنظف.]]
قَالَ: فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ خَائِفِينَ مُسْرِعِينَ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَنْصُورًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [آل عمران: ١٧٤] أي قتال ورعب. واستأذن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَذِنَ لَهُ. وَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ قَدْ تَحَصَّلَ لَهُمْ بِهَذِهِ الْقَفْلَةِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّهَا غَزْوَةٌ). هَذَا تَفْسِيرُ الْجُمْهُورِ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وَشَذَّ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ قَوْلِهِ: "الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ"- إِلَى قوله:- ﴿عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٤ - ١٧٣] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ فِي أُحُدٍ، إِذْ قَالَ: مَوْعِدُنَا بَدْرٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (قُولُوا نَعَمْ) فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ قِبَلَ بَدْرٍ، وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابَهُ دَرَاهِمَ، وَقَرُبَ مِنْ بَدْرٍ فَجَاءَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدِ اجْتَمَعَتْ وَأَقْبَلَتْ لِحَرْبِهِ هِيَ وَمَنِ انْضَافَ إِلَيْهَا، فَأَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" فَصَمَّمُوا [[صمم في السير وغيره: مضى.]] حَتَّى أَتَوْا بَدْرًا فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا، وَوَجَدُوا السُّوقَ فَاشْتَرَوْا بِدَرَاهِمِهِمْ أُدْمًا وَتِجَارَةً، وَانْقَلَبُوا وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا، وَرَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ، فلذلك قول تَعَالَى: "فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ" أَيْ وفضل في تلك التجارات. والله أعلم.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق