الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً﴾ هَذَا النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا اعْتِرَاضٌ بَيْنَ أَثْنَاءِ قِصَّةِ أُحُدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَرْوِيًّا. قُلْتُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَبِيعُونَ الْبَيْعَ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ زَادُوا فِي الثَّمَنِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً". [قُلْتُ] [[في هـ.]] وَإِنَّمَا خَصَّ الرِّبَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَعَاصِي، لِأَنَّهُ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ بِالْحَرْبِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: ٢٧٩] [[راجع ج ٣ ص ٢٥٦.]] وَالْحَرْبُ يُؤْذِنُ بِالْقَتْلِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تَتَّقُوا الرِّبَا هُزِمْتُمْ وَقُتِلْتُمْ. فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَ (أَضْعافاً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَ (مُضاعَفَةً) نعته. وقرى "مُضَعَّفَةً" وَمَعْنَاهُ: الرِّبَا الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تُضَعِّفُ فِيهِ الدَّيْنَ، فَكَانَ الطَّالِبُ يَقُولُ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ". وَ (مُضاعَفَةً) إِشَارَةٌ إِلَى تَكْرَارِ التَّضْعِيفِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ كَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى شُنْعَةِ فِعْلِهِمْ وَقُبْحِهِ، وَلِذَلِكَ ذُكِرَتْ حَالَةُ التَّضْعِيفِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيْ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَلَا تَأْكُلُوهَا. ثُمَّ خَوَّفَهُمْ فقال:﴾ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: وَهَذَا الْوَعِيدُ لِمَنِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا، وَمَنِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ [وَيُكَفَّرُ] [[في د وه وفي ب: وبضر.]]. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اتَّقُوا الْعَمَلَ الَّذِي يَنْزِعُ مِنْكُمُ الْإِيمَانَ فَتَسْتَوْجِبُونَ النَّارَ، لِأَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ صَاحِبُهُ نَزْعَ الْإِيمَانِ وَيُخَافُ عَلَيْهِ، مِنْ ذَلِكَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ يُقَالُ لَهُ عَلْقَمَةُ، فَقِيلَ لَهُ عَنْدَ الْمَوْتِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَرَضِيَتْ عَنْهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَأَكْلُ الرِّبَا والخيانة فِي الْأَمَانَةِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ مَا يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمَوْتِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَنَظَرْنَا فِي الذُّنُوبِ الَّتِي تَنْزِعُ الْإِيمَانَ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَسْرَعَ نَزْعًا لِلْإِيمَانِ مِنْ ظُلْمِ الْعِبَادِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ رَدًّا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَكُونُ مُعَدًّا. ثُمَّ قَالَ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ) [يَعْنِي أَطِيعُوا اللَّهَ] [[في هـ.]] فِي الْفَرَائِضِ (وَالرَّسُولَ) فِي السُّنَنِ: وَقِيلَ: "أَطِيعُوا اللَّهَ" فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا "وَالرَّسُولَ" فِيمَا بَلَّغَكُمْ مِنَ التَّحْرِيمِ. (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أَيْ كَيْ يَرْحَمَكُمُ اللَّهُ. وَقَدْ تقدم [[راجع ج ١ ص ٢٢٧.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب