الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ قَرَأَ السُّلَمِيُّ بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ. وَاللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَحْسُنُ وَيَسُوءُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَدُخُولِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ أَمْثِلَةٌ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ كانت هذه صِفَتِهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَدَاوَةِ وَالْحِقْدِ وَالْفَرَحِ بِنُزُولِ الشَّدَائِدِ عَلَى [[في دوب وهـ بالمؤمنين.]] الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِأَنْ يُتَّخَذَ بِطَانَةً، لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الْجَسِيمِ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ مِلَاكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ الْعَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِفَاقَتُهَا ... إِلَّا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ (وَإِنْ تَصْبِرُوا) أَيْ عَلَى أَذَاهُمْ وَعَلَى الطَّاعَةِ وَمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ (وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ [[قراءة نافع.]] كَيْدُهُمْ شَيْئاً). يُقَالُ: ضَارَّهُ يَضُورُهُ وَيَضِيرُهُ ضَيْرًا وَضَوْرًا، فَشَرَطَ تَعَالَى نَفْيَ ضَرَرِهِمْ بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، فَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَقْوِيَةً لِنُفُوسِهِمْ. قُلْتُ- [[كذا في د، وفى ب وا: قراآت قرأ، وفى زوجة: قرأ.]] قَرَأَ الْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو "لَا يَضُرُّكُمْ" مِنْ ضَارَّ يُضِيرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ "لَا ضَيْرَ"، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لِأَنَّكَ لَمَّا حَذَفْتَ الضَّمَّةَ مِنَ الرَّاءِ بَقِيَتِ الرَّاءُ سَاكِنَةً وَالْيَاءُ سَاكِنَةً فَحُذِفَتِ الْيَاءُ، وَكَانَتْ أَوْلَى بِالْحَذْفِ، لِأَنَّ قَبْلَهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ "ضَارَّهُ يَضُورُهُ" وَأَجَازَ "لَا يَضُرْكُمْ" وَزَعَمَ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كعب "لا يضرركم" [[في د ر هـ: يضور والتصحيح من البحر قال: بفك الإدغام وهى لغة أهل الحجاز.]]. [وقرا الْكُوفِيُّونَ: "لَا يَضُرُّكُمْ" بِضَمِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا مِنْ ضَرَّ يَضُرُّ] [[الزيادة من ب ودرهم.]]. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى تَقْدِيرِ إِضْمَارِ الْفَاءِ، وَالْمَعْنَى: فَلَا يَضُرُّكُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: [[هو حسان بن ثابت رضى الله عنه. وتمامه: والشر بالشر عند الله سيان]] مَنْ يَفْعَلُ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا هَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ، أَوْ يَكُونُ مَرْفُوعًا على نية التقديم، وأنشد سيبويه: إنك إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ [[هذا عجز بيت لجرير بن عبد الله. وصدره: يا أقرع بن حابس يا أقرع]] أَيْ لَا يَضُرُّكُمْ أَنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا، وَضُمَّتِ الرَّاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى إِتْبَاعِ الضَّمِّ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ فَتَحَ الرَّاءَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مَجْزُومٌ، وَفَتَحَ "يَضُرُّكُمْ" لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لِخِفَّةِ الْفَتْحِ، رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ، حَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَحَكَى النَّحَّاسُ: وَزَعَمَ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ عَنْ عَاصِمٍ "لَا يَضُرِّكُمْ" بِكَسْرِ الرَّاءِ لالتقاء الساكنين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب