الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ قَالَ الْأَخْفَشُ: "كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ" وَقْفٌ تَامٌّ، ثم قِصَّتَهَا فَقَالَ: (اتَّخَذَتْ بَيْتًا) قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ "اتَّخَذَتْ بَيْتًا" صِلَةٌ لِلْعَنْكَبُوتِ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَمَثَلِ الَّتِي اتَّخَذَتْ بَيْتًا، فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى الصِّلَةِ دُونَ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ بمنزلة قوله: "كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً" فيحمل صِلَةٌ لِلْحِمَارِ وَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى الْحِمَارِ دُونَ يَحْمِلُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنِ اتَّخَذَ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا تَنْفَعُهُ وَلَا تَضُرُّهُ، كَمَا أَنَّ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَقِيهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا. وَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى الْعَنْكَبُوتِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شي، فَشُبِّهَتِ الْآلِهَةُ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ بِهِ. (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) أَيْ أَضْعَفَ الْبُيُوتِ (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ). قَالَ الضَّحَّاكُ: ضَرَبَ مَثَلًا لِضَعْفِ آلِهَتِهِمْ وَوَهَنِهَا فَشَبَّهَهَا بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ. (لَوْ كَانُوا يعلمون) "لو" متعلقه ببيت الْعَنْكَبُوتِ أَيْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ كَاتِّخَاذِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ الَّتِي لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شيئا، وأن هذا مثلهم لما عبدوها، لا أنهم يَعْلَمُونَ أَنَّ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ النُّحَاةُ: إِنَّ تَاءَ الْعَنْكَبُوتِ فِي آخِرِهَا مَزِيدَةٌ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ فِي التَّصْغِيرِ وَالْجَمْعِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ تَذْكِيرَهَا وَأَنْشَدَ: عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوتٌ ... كأن العنكبوت قد ابتناها ويروى: على أهطالهم مِنْهُمْ بُيُوتٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْهَطَّالُ: اسْمُ جَبَلٍ. وَالْعَنْكَبُوتُ الدُّوَيْبَّةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي تَنْسِجُ نَسْجًا رَقِيقًا مهلهلا بين الهواء. ويجمع عناكيب وعناكب وَعِكَابٌ وَعُكُبٌ وَأَعْكُبٌ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ يُقَالُ عنكب وعنكباة [[ويقال أيضا: عنكباة بتقديم النون على الكاف.]]، قَالَ الشَّاعِرُ: كَأَنَّمَا يَسْقُطُ مِنْ لُغَامِهَا ... بَيْتُ عنكباة على زمانها وَتُصَغَّرُ فَيُقَالُ عُنَيْكِبٌ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ الْعَنْكَبُوتَ شَيْطَانٌ مَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نَسَجَتِ الْعَنْكَبُوتُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَلَى دَاوُدَ حِيْنَ كَانَ جَالُوتُ يَطْلُبُهُ، وَمَرَّةً عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: طَهِّرُوا بُيُوتَكُمْ مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ فَإِنَّ تَرْكَهُ فِي الْبُيُوتِ يُورِثُ الْفَقْرَ، وَمَنْعُ الْخَمِيرِ يُورِثُ الْفَقْرَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي وَ "مِنْ" للتبعيض، ولو كانت زائدة للتوكيد لا نقلب الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ضَعْفَ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: "يَدْعُونَ" بِالْيَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، لِذِكْرِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا. الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها) أي هذا المثل وغيره مما ذكر في "البقرة" و "الحج" وغيرهما (نضربها) نُبَيِّنُهَا (لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا) أَيْ يَفْهَمُهَا (إِلَّا الْعَالِمُونَ) أَيِ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ، كَمَا رَوَى جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "الْعَالِمُ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ فَعَمِلَ بطاعته واجتنب سخطه".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب