الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ أَيِ اقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا مِنْكُمْ "بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ" أَيْ مِنَ الْعَذَابِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَهُوَ مِنْ رَدِفَهُ إِذَا تَبِعَهُ وَجَاءَ فِي أَثَرِهِ، وَتَكُونُ اللَّامُ أُدْخِلَتْ لِأَنَّ الْمَعْنَى اقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا لَكُمْ. أَوْ تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَعَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ: تَبِعَكُمْ، وَمِنْهُ رِدْفُ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا مِنْ خَلْفِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ: عَادَ السَّوَادُ بَيَاضًا فِي مَفَارِقِهِ ... لَا مَرْحَبًا بِبَيَاضِ الشَّيْبِ إِذْ رَدِفَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأردفه أَمْرٌ لُغَةٌ فِي رَدِفَهُ، مِثْلُ تَبِعَهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَعْنًى، قَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَهْدٍ: إِذَا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا يَعْنِي فَاطِمَةَ بِنْتَ يَذْكُرَ بْنِ عَنَزَةَ أَحَدَ الْقَارِظِينَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: "رَدِفَ لَكُمْ" دَنَا لَكُمْ وَلِهَذَا قَالَ "لَكُمْ". وَقِيلَ: رَدِفَهُ وَرَدِفَ لَهُ بِمَعْنًى فَتُزَادُ اللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ، عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا. كَمَا تَقُولُ نَقَدْتُهُ وَنَقَدْتُ لَهُ، وَكِلْتُهُ وَوَزَنْتُهُ، وَكِلْتُ لَهُ وَوَزَنْتُ لَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. "بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ" مِنَ الْعَذَابِ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فِي تَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ وَإِدْرَارِ الرِّزْقِ (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) فَضْلَهُ وَنِعَمَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ أي تخفى صدورهم (وَما يُعْلِنُونَ) يظهرون في الأمور. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٍ: "مَا تَكُنُّ" مِنْ كَنَنْتُ الشَّيْءَ إِذَا سَتَرْتُهُ هُنَا. وَفِي "الْقَصَصِ" تَقْدِيرُهُ: مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ الضَّمِيرَ الذي في الصدور كالجسم الساتر. وَمَنْ قَرَأَ: "تُكِنُّ" فَهُوَ الْمَعْرُوفُ، يُقَالُ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخْفَيْتَهُ فِي نَفْسِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: الْغَائِبَةُ هُنَا الْقِيَامَةُ. وَقِيلَ: مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ: الْغَائِبَةُ هُنَا جَمِيعُ مَا أَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِ وَغَيَّبَهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا عَامٌّ. وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْهَاءُ فِي "غَائِبَةِ" إِشَارَةً إِلَى الْجَمْعِ، أَيْ. مَا مِنْ خَصْلَةٍ غَائِبَةٍ عَنِ الْخَلْقِ إِلَّا وَاللَّهُ عَالِمٌ بِهَا قَدْ أَثْبَتَهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ عِنْدَهُ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يُسِرُّ هَؤُلَاءِ وَمَا يُعْلِنُونَهُ. وَقِيلَ: أي كل شي هُوَ مُثْبَتٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ يُخْرِجُهُ لِلْأَجَلِ الْمُؤَجَّلِ لَهُ، فَالَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَهُ أَجَلٌ مَضْرُوبٌ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَالْكِتَابُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ أَثْبَتَ اللَّهُ فِيهِ مَا أَرَادَ لِيُعْلِمَ بِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ ملائكته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب