الباحث القرآني
فِيهِ اثْنَانِ [[كذا في ك.]] وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- (قَوْلُهُ تَعَالَى:) (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) كَانَ الزِّنَى فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفًا قَبْلَ الشَّرْعِ، مثل اسم السرقة والقتل. وهو اسم لوطي الرَّجُلِ امْرَأَةً فِي فَرْجِهَا مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا شُبْهَةِ نِكَاحٍ بِمُطَاوَعَتِهَا. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: هُوَ إِدْخَالُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَدُّ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي حَدِّ الزِّنَى وَحَقِيقَتِهِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْحَبْسِ وَآيَةِ الْأَذَى اللَّتَيْنِ فِي سُورَةِ [النِّسَاءِ [[راجع ج ٥ ص ٨٢ فما بعد وص ٣٦١ فما بعد.]]] بِاتِّفَاقٍ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ هَذَا حَدُّ الزَّانِي الْحُرِّ الْبَالِغِ الْبِكْرِ، وَكَذَلِكَ الزَّانِيَةُ الْبَالِغَةُ الْبِكْرُ الْحُرَّةُ. وَثَبَتَ بِالسُّنَّةِ تَغْرِيبُ عَامٍّ، عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَمْلُوكَاتُ فَالْوَاجِبُ خَمْسُونَ جَلْدَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [[راجع ج ٥ ص ٨٢ فما بعد وص ٣٦١ فما بعد.]] " [النساء: ٢٥] وَهَذَا فِي الْأَمَةِ، ثُمَّ الْعَبْدُ فِي مَعْنَاهَا. وَأَمَّا الْمُحْصَنُ مِنَ الْأَحْرَارِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: يُجْلَدُ مِائَةً ثُمَّ يُرْجَمُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلُّهُ مُمَهَّدًا فِي [النِّسَاءِ] فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّالِثَةُ- قَرَأَ الْجُمْهُورُ: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي" بِالرَّفْعِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ "الزَّانِيَةَ" بِالنَّصْبِ، وَهُوَ أَوْجَهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَقَوْلِكَ: زَيْدًا اضرب. ووجه الرفع عنده: خبر ابتدأ [[في هذه العبارة تساهل، فإن التقدير الذي يقتضى أن يكون مبتدأ محذوف الخير، كما ذكر ذلك غير واحد من المفسرين.]]، وتقديره: فيما يتلى عليكم [حكم [[زيادة من كتب التفسير.]]] الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي. وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الرَّفْعِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ النَّصْبَ. وَأَمَّا الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ فَإِنَّ الرَّفْعَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْأَوْجَهُ، وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: "فَاجْلِدُوا" لِأَنَّ الْمَعْنَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي مَجْلُودَانِ بِحُكْمِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النُّحَاةِ. وَإِنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ الْخَبَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُجْلَدَا. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ "وَالزَّانِ" بِغَيْرِ يَاءٍ. الرَّابِعَةُ- ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالزَّانِي كَانَ يَكْفِي مِنْهُمَا، فَقِيلَ: ذَكَرَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [[راجع ج ٦ ص ١٥٩.]] " [المائدة: ٣٨]. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُمَا هُنَا لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْوَاطِئَ وَالْمَرْأَةُ مَحَلٌّ لَيْسَتْ بِوَاطِئَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، فَذَكَرَهَا رَفْعًا لِهَذَا الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْقَعَ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ. فَقَالُوا: لَا كفارة على المرأة في الوطي فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ قَالَ: جَامَعْتُ أَهْلِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ (كفر). فأمره بالكفارة، والمرأة ليس بِمُجَامِعَةٍ وَلَا وَاطِئَةٍ. الْخَامِسَةُ- قُدِّمَتِ "الزَّانِيَةُ" فِي الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ زنى النساء فاش، وكان لا ماء الْعَرَبِ وَبَغَايَا الْوَقْتِ رَايَاتٌ، وَكُنَّ مُجَاهِرَاتٍ بِذَلِكَ. وقيل: لان الزنى فِي النِّسَاءِ أَعَرُّ وَهُوَ لِأَجْلِ الْحَبَلِ أَضَرُّ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ وَعَلَيْهَا أَغْلَبُ، فَصَدَّرَهَا تَغْلِيظًا لِتَرْدَعَ شَهْوَتَهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُكِّبَ فِيهَا حَيَاءٌ لَكِنَّهَا إِذَا زَنَتْ ذَهَبَ الْحَيَاءُ كُلُّهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَارَ بِالنِّسَاءِ أَلْحَقُ إِذْ مَوْضُوعُهُنَّ الْحَجْبُ [[في الأصول: "الحجبة"]] وَالصِّيَانَةُ فَقُدِّمَ ذِكْرُهُنَّ تَغْلِيظًا وَاهْتِمَامًا. السَّادِسَةُ- الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي" لِلْجِنْسِ، وَذَلِكَ يُعْطِي أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الزُّنَاةِ. وَمَنْ قَالَ بِالْجَلْدِ مَعَ الرَّجْمِ قَالَ: السُّنَّةُ جَاءَتْ بِزِيَادَةِ حُكْمٍ فَيُقَامُ مَعَ الْجَلْدِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، وَفَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشُرَاحَةَ، وَقَدْ مَضَى فِي [النِّسَاءِ [[راجع ج ٥ ص ٨٧.]]] بَيَانُهُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي الْبِكْرَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ عامة بخروج العبيد والإماء منها.
السابعة- نص الله سبحانه وتعالى [على] مَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِيَيْنِ إِذَا شُهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا يَأْتِي وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَلَيْسَ يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمَا. وَقَالَ عَطَاءٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُؤَدَّبَانِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، عَلَى قَدْرِ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَدَبِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَأَيْنَاهُ يَرَى عَلَى مَنْ وُجِدَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ الْأَدَبَ. وَقَدْ مَضَى فِي" هُودٍ [[في ص ٨٩ - ٨٨ ج ٩ ذكر بعض أحكام التأديب ولعل المصنف توهم أنه ذكر التفاصيل وراجع ج ٥ ص ٨٦.]] "اخْتِيَارُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْحَمْدُ لله وحده. الثامنة- قوله تعالى: (فَاجْلِدُوا) دَخَلَتِ الْفَاءُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَمْرٍ وَالْأَمْرُ مُضَارِعٌ لِلشَّرْطِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ، أَيْ إِنْ زَنَى زَانٍ فَافْعَلُوا بِهِ كَذَا، وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْفَاءُ، وَهَكَذَا" السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [[راجع ج ٦ ص ١٥٩.]] ". [المائدة: ٣٨]. التَّاسِعَةُ- لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْإِمَامُ وَمَنْ نَابَ مَنَابَهُ. وَزَادَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: السَّادَةُ فِي الْعَبِيدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي كُلٍّ جَلْدٌ وَقَطْعٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الْجَلْدِ دُونَ الْقَطْعِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ إِقَامَةَ مَرَاسِمِ الدِّينِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ الْإِمَامُ يَنُوبُ عَنْهُمْ، إِذْ لَا يُمْكِنُهُمُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ. الْعَاشِرَةُ- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ بِالسَّوْطِ يَجِبُ. وَالسَّوْطُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُجْلَدَ بِهِ يَكُونُ سَوْطًا بَيْنَ سَوْطَيْنِ. لَا شَدِيدًا وَلَا لَيِّنًا. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رجلا اعترف على نفسه بالزنى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ: (فَوْقَ هَذَا) فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ [[الثمرة: الطرف يريد أن طرفه محدد لم تنكسر حدته ولم يخلق بعد.]]، فَقَالَ: (دُونَ هَذَا) فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ [[يريد قد انكسرت حدته ولم يخلق ولا بلغ من اللين مبلغا لا يألم من ضرب به.
(راجع الموطأ كتاب الحدود). (١٢ - ١١)]]، وَلَانَ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجُلِدَ ... الْحَدِيثَ. قَالَ أبو عمر: هكذا روى الحديث مرسلا جميع
رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَلَا أَعْلَمُهُ يَسْتَنِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ يحيى ابن أَبِي كَثِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلُهُ سَوَاءً. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْمَائِدَةِ" ضَرَبَ عُمَرُ قُدَامَةَ [[في الأصول: "الجارود" وهو تحريف، لان الذي ضربه سيدنا عمر رضى الله عنه هو قدامة بن مظعون، وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى قصته في ج ٦ ص ٢٩٧ فراجعه هناك، وراجع ترجمته في كتب الصحابة.]] فِي الْخَمْرِ بِسَوْطٍ تَامٍّ. يُرِيدُ وَسَطًا. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تجريد المجلود في الزنى، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا: يُجَرَّدُ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا دُونَ مَا يَقِيهَا الضَّرْبَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ جَرَّدَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: لَا يُجَرَّدُ وَلَكِنْ يُتْرَكُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ. قَالَ ابن مسعود: لا يحل في هذه الْأَمَةِ تَجْرِيدٌ وَلَا مَدٌّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ ضَرْبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ، لَا يُقَامُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَا يُجْزِي عِنْدَهُ إِلَّا فِي الظَّهْرِ. وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ يَرَوْنَ أَنْ يُجْلَدَ الرَّجُلُ وَهُوَ وَاقِفٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه. وقال الليث [بن سعد [[من ب وج وط وك.]]] وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَفِي التَّعْزِيرِ مُجَرَّدًا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ، إِلَّا حَدَّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. وَحَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ فِي التَّحْصِيلِ عَنْ مَالِكٍ. وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْحَشْوُ وَالْفَرْوُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ مَدُّهُ صَلَاحًا مُدَّ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُضْرَبُ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي الْحُدُودِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْحُدُودُ كُلُّهَا لَا تُضْرَبُ إِلَّا فِي الظَّهْرِ، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: يُتَّقَى الْوَجْهُ وَالْفَرْجُ وَتُضْرَبُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَشَارَ ابْنُ عُمَرَ بِالضَّرْبِ إِلَى رِجْلَيْ أمة جلدها في الزنى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْإِجْمَاعُ فِي تَسْلِيمِ الْوَجْهِ وَالْعَوْرَةِ وَالْمَقَاتِلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي ضَرْبِ الرَّأْسِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُتَّقَى الرَّأْسُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضْرَبُ الرَّأْسُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ فَقَالَا: يُضْرَبُ الرأس. وضرب عمر رضى الله عنه صبيغا [[هو صبيغ (كأمير) بن عسل، كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات، فنفاه سيدنا عمر إلى البصرة.]] فِي رَأْسِهِ وَكَانَ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا. وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ: مَا أَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) وسيأتي.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- الضَّرْبُ الَّذِي يَجِبُ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤْلِمًا لَا يَجْرَحُ وَلَا يُبْضِعُ، وَلَا يُخْرِجُ الضَّارِبُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ إِبْطِهِ. وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَأُتِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ وَقَالَ لِلضَّارِبِ: اضْرِبْ وَلَا يُرَى إِبْطُكُ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. وَأُتِيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِشَارِبٍ فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّكَ إِلَى رَجُلٍ لَا تَأْخُذُهُ فِيكَ هَوَادَةٌ، فَبَعَثَهُ إِلَى مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَدَوِيِّ فَقَالَ: إِذَا أَصْبَحْتَ الْغَدَ فَاضْرِبْهُ الْحَدَّ، فَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ! كَمْ ضَرَبْتَهُ؟ فَقَالَ سِتِّينَ، فَقَالَ: أَقِصَّ عَنْهُ بِعِشْرِينَ. قال أبو عبيدة [قوله [[من ب وك.]]]: "أَقِصَّ عَنْهُ بِعِشْرِينَ" يَقُولُ: اجْعَلْ شِدَّةَ هَذَا الضَّرْبَ الَّذِي ضَرَبْتَهُ قِصَاصًا بِالْعِشْرِينِ الَّتِي بَقِيَتْ وَلَا تَضْرِبْهُ الْعِشْرِينَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ ضَرْبَ الشَّارِبِ ضَرْبٌ خَفِيفٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَشَدِّ الْحُدُودِ ضَرْبًا وَهِيَ: الخامسة عشرة- فقال مالك وأصحابه والليت بْنُ سَعْدٍ: الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ ضرب غير مبرح، ضرب بين ضربين. وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفة وأصحابه: التعزير أشد الضرب، وضرب الزنى أَشَدُّ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْخَمْرِ، وَضَرْبُ الشَّارِبِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَذْفِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: ضَرْبُ الزنى أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَذْفِ، وَضَرْبُ الْقَذْفِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْخَمْرِ. احْتَجَّ مَالِكٌ بِوُرُودِ التَّوْقِيفِ على عدد الجلدات، ولم يرد في شي مِنْهَا تَخْفِيفٌ وَلَا تَثْقِيلٌ عَمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِفِعْلِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ ضَرَبَ فِي التَّعْزِيرِ ضَرْبًا أَشَدَّ مِنْهُ فِي الزنى. احتج الثوري بأن الزنى لَمَّا كَانَ أَكْثَرَ عَدَدًا فِي الْجَلَدَاتِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ أَبْلَغَ فِي النِّكَايَةِ. وَكَذَلِكَ الخمر، لأنه لم يثبت الْحَدُّ إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ، وَسَبِيلُ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يَقْوَى قُوَّةَ مَسَائِلِ التَّوْقِيفِ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- الْحَدُّ الذي أوجب الله في الزنى وَالْخَمْرِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ بَيْنَ أَيْدِي الْحُكَّامِ، وَلَا يُقِيمُهُ إِلَّا فُضَلَاءُ النَّاسِ وَخِيَارُهُمْ يَخْتَارُهُمُ الْإِمَامُ لِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ كَانَتِ الصحابة تفعل كلما وقع لهم شي مِنْ ذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أنه قِيَامٌ بِقَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقُرْبَةٍ تَعَبُّدِيَّةٍ، تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِهَا وَقَدْرِهَا وَمَحَلِّهَا وَحَالِهَا، بِحَيْثُ لَا يتعدى شي مِنْ شُرُوطِهَا وَلَا أَحْكَامِهَا، فَإِنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ وَحُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ، فَيَجِبُ مُرَاعَاتُهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَ. رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ حُضَيْنِ [[بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة.]] بْنِ الْمُنْذِرِ أَبِي ساسان قال: شهدت عثمان ابن عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا [[قال النووي في شرح هذا الحديث "الحار: الشديد المكروه والقار: البارد الهني الطيب. وهذا مثل من أمثال العرب، ومعناه: ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنئ الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها. ومعناه: ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين".]] مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا (فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ) فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ ... الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَائِدَةِ. فَانْظُرْ قَوْلَ عُثْمَانَ لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ: قُمْ فَاجْلِدْهُ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- نَصَّ الله تعالى على عدد الجلد في الزنى وَالْقَذْفِ، وَثَبَتَ التَّوْقِيفُ فِي الْخَمْرِ عَلَى ثَمَانِينَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ فِي جَمِيعِ [[أي في حضرتهم.]] الصَّحَابَةِ- عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَائِدَةِ [[راجع ج ٦ ص ٢٩٧.]] - فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَدَّى الْحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ ابْنُ العربي:" وهذا ما لم يتابع النَّاسُ فِي الشَّرِّ وَلَا احْلَوْلَتْ لَهُمُ الْمَعَاصِي، حَتَّى يَتَّخِذُوهَا ضَرَاوَةً»
وَيَعْطِفُونَ عَلَيْهَا بِالْهَوَادَةِ فَلَا يَتَنَاهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الشِّدَّةُ وَيُزَادُ الْحَدُّ [[في ب وج وط وك: الجلد.]] لِأَجْلِ زِيَادَةِ الذَّنْبِ. وَقَدْ أُتِيَ عُمَرُ بِسَكْرَانَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ مِائَةً، ثَمَانِينَ حَدَّ الْخَمْرِ وَعِشْرِينَ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ. فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ تُرَكَّبَ الْعُقُوبَاتُ عَلَى تَغْلِيظِ الْجِنَايَاتِ وَهَتْكِ الْحُرُمَاتِ. وَقَدْ لَعِبَ رَجُلٌ بِصَبِيٍّ فَضَرَبَهُ الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغير [ذلك [[زيادة عم ابن العربي.]]] مَالِكٌ حِينَ بَلَغَهُ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا بِهَتْكِ الْحُرُمَاتِ وَالِاسْتِهْتَارِ بِالْمَعَاصِي، وَالتَّظَاهُرِ بِالْمَنَاكِرِ وَبَيْعِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَبِيدِ لَهَا فِي مَنْصِبِ الْقُضَاةِ، لَمَاتَ كَمَدًا وَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا، وَحَسْبُنَا الله ونعم الوكيل".
قُلْتُ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- زِيدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ثَمَانِينَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ "حَدَّثَنَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ يَتَخَلَّلُ النَّاسَ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَأُتِيَ بِسَكْرَانَ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ عِنْدُهُ فَضَرَبُوهُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ: وَحَثَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِ التُّرَابَ. قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَكْرَانَ، قَالَ: فَتَوَخَّى الَّذِي كَانَ مِنْ ضَرْبِهِمْ يَوْمَئِذٍ، فَضَرَبَ أَرْبَعِينَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ وَبْرَةَ الْكَلْبِيِّ قَالَ: أَرْسَلَنِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى عُمَرَ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ وَمَعَهُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَهُمْ مَعَهُ مُتَّكِئُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامُ وَيَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُوا فِي الْخَمْرِ! وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ فِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُمْ هَؤُلَاءِ عِنْدَكَ فَسَلْهُمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَرَاهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: أَبْلِغْ صَاحِبَكَ مَا قَالَ. قَالَ: فَجَلَدَ خَالِدُ ثَمَانِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ الضَّعِيفِ الَّذِي كَانَتْ مِنْهُ الزلة ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَجَلَدَ عُثْمَانُ أَيْضًا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ". وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ ﷺ: (لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ) كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوْا. فِي رِوَايَةٍ (لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ [[الحديث ذكر في صحيح مسلم في (كتاب الصوم. باب النهى عن الوصال الصوم). وصحيح البخاري في (كتاب الاعتصام. باب ما يكره من التعمق والتنازع ... إلخ).]]). وَرَوَى حَامِدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ أَنَّ عَلِيًّا ضَرَبَ النَّجَاشِيَّ فِي الْخَمْرِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو وَلَمْ يَذْكُرْ سببه. الثامنة عشر- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ أَيْ لَا تَمْتَنِعُوا عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ شَفَقَةً عَلَى الْمَحْدُودِ، وَلَا تُخَفِّفُوا الضَّرْبَ مِنْ غَيْرِ إِيجَاعٍ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ" قالوا:
فِي الضَّرْبِ وَالْجَلْدِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِقَامَةُ حَدٍّ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآية. والرأفة أرق الرحمة. وقرى: "رأفة" بفتح الالف على وزن فعلة. وقرى: "رآفة" على وزن فعالة، ثلاث لغات، وهى كلها مصادر، أشهرها الاولى، من رءوف إِذَا رَقَّ وَرَحِمَ. وَيُقَالُ: رَأْفَةٌ وَرَآفَةٌ، مِثْلُ كَأْبَةٍ وَكَآبَةٍ. وَقَدْ رَأَفْتُ بِهِ وَرَؤُفْتُ بِهِ. وَالرَّءُوفُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى: الْعَطُوفُ الرَّحِيمُ. التاسعة عشرة- قوله تعالى: (أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ [[راجع ج ٩ ص ٢٣٥ فما بعد.]] " [يوسف: ٧٦] أَيْ فِي حُكْمِهِ. وَقِيلَ: "فِي دِينِ اللَّهِ" أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ به من إقامة الحدود. قَرَّرَهُمْ عَلَى مَعْنَى التَّثْبِيتِ وَالْحَضِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ". وَهَذَا كَمَا تَقُولُ لِرَجُلٍ تَحُضُّهُ: إِنْ كُنْتَ رَجُلًا فَافْعَلْ كَذَا! أَيْ هَذِهِ أَفْعَالُ الرِّجَالِ. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قِيلَ: لَا يَشْهَدُ التَّعْذِيبَ إِلَّا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ [[كذا في ج وط وك. وفى ب: إلا من يستحق. ولعله الأشبه.]] التَّأْدِيبَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: رَجُلٌ فَمَا فَوْقَهُ إِلَى أَلْفٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَا بُدَّ مِنْ حضور أربعة قياسا على الشهادة على الزنى، وَأَنَّ هَذَا بَابٌ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ: لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ، وَهَذَا مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ، فَرَآهَا مَوْضِعَ شَهَادَةٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ثَلَاثَةٌ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ. الْحَسَنُ: وَاحِدٌ فَصَاعِدًا، وَعَنْهُ عَشَرَةٌ. الرَّبِيعُ: مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ. وَحُجَّةُ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ تعالى:" فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [[راجع ج ٨ ص ٢٩٣ فما بعد.]] " [التوبة: ١٢٢]، وقوله:" وَإِنْ طائِفَتانِ [[راجع ج ١٦ ص ٣١٥.]] " [الحجرات: ٩]، وَنَزَلَتْ فِي تَقَاتُلِ رَجُلَيْنِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. وَالْوَاحِدُ يُسَمَّى طَائِفَةً إِلَى الْأَلْفِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ. وَأَمَرَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ بِجَارِيَةٍ لَهُ قَدْ زَنَتْ وَوَلَدَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا، وَأَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا خَمْسِينَ ضَرْبَةً غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا خَفِيفٍ لَكِنْ مُؤْلِمٍ، وَدَعَا جَمَاعَةً ثُمَّ تَلَا: "وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ".
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ. هَلِ الْمَقْصُودُ بِهَا الْإِغْلَاطُ عَلَى الزُّنَاةِ وَالتَّوْبِيخُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَدَعُ الْمَحْدُودَ، وَمَنْ شَهِدَهُ وَحَضَرَهُ يَتَّعِظُ بِهِ وَيَزْدَجِرُ لِأَجْلِهِ، وَيَشِيعُ حَدِيثُهُ فَيَعْتَبِرُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، أَوِ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. الثَّانِيَةُ [[يلاحظ أن الأصول إحدى وعشرون مسألة عداك فاثنتان وعشرون، كما هو مثبت.]] وَالْعِشْرُونَ- رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (يَا معاشر الناس اتقوا الزنى فَإِنَّ فِيهِ سِتَّ خِصَالٍ ثَلَاثًا فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثًا فِي الْآخِرَةِ فَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الدُّنْيَا فَيُذْهِبُ الْبَهَاءَ وَيُورِثُ الْفَقْرَ وَيُنْقِصُ الْعُمُرَ وَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الْآخِرَةِ فَيُوجِبُ السَّخَطَ وَسُوءَ الْحِسَابِ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ (. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:) إِنَّ أعمال أمتي تعرض على كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى الزُّنَاةِ (. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:) إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي فَغَفَرَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا خَمْسَةً سَاحِرًا وكاهنا وعاقا لوالديه ومدمن خمر ومصرا على الزنى (.
{"ayah":"ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰحِدࣲ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةࣲۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةࣱ فِی دِینِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ وَلۡیَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق