الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ﴾. فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ﴾ الْهَمَزَاتُ هِيَ جَمْعُ هَمْزَةٍ. وَالْهَمْزُ فِي اللُّغَةِ النَّخْسُ وَالدَّفْعُ، يُقَالُ: هَمَزَهُ وَلَمَزَهُ وَنَخَسَهُ دَفَعَهُ. قَالَ اللَّيْثُ: الْهَمْزُ كَلَامٌ مِنْ وَرَاءِ الْقَفَا، وَاللَّمْزُ مُوَاجَهَةً. وَالشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ فَيَهْمِسُ فِي وَسْوَاسِهِ فِي صَدْرِ ابْنِ آدَمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ" أَيْ نَزَغَاتِ الشَّيَاطِينِ الشَّاغِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الحديث: كان يتعوذ من همز الشياطين وَلَمْزِهِ وَهَمْسِهِ. قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: إِذَا أَسَرَّ الْكَلَامَ وَأَخْفَاهُ فَذَلِكَ الْهَمْسُ مِنَ الْكَلَامِ. وَسُمِّيَ الأسد هوسا، لأنه يمشى بخفة فلا يُسْمَعُ صَوْتُ وَطْئِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" طه [[راجع ج ١١ ص ٢٤٧.]] ". الثَّانِيَةُ- أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي هَمَزَاتِهِ، وَهِيَ سَوْرَاتُ الْغَضَبِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ الإنسان فيها نفسه، وكأنها هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْكُفَّارِ فَتَقَعُ الْمُحَادَّةُ فَلِذَلِكَ اتَّصَلَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَالنَّزَغَاتُ وَسَوْرَاتُ الْغَضَبِ الْوَارِدَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ هِيَ الْمُتَعَوَّذُ مِنْهَا فِي الْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ" الأعراف [[راجع ج ٧ ص ٣٤٧.]] بيانه مستوفى، وفي أو الْكِتَابِ أَيْضًا [[راجع ج ١ ص ٨٦.]]. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّائِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ خَالِدًا كَانَ يُؤَرَّقُ مِنَ اللَّيْلِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونَ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ عُمَرُ: وَهَمْزُهُ الْمَوْتَةُ، قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: الْمَوْتَةُ يَعْنِي الْجُنُونَ. وَالتَّعَوُّذُ أَيْضًا مِنَ الْجُنُونِ وَكِيدٌ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ "رَبِّ عَائِذًا بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَعَائِذًا بِكَ أَنْ يَحْضُرُونَ، أَيْ يَكُونُوا مَعِي في أموري، فَإِنَّهُمْ إِذَا حَضَرُوا الْإِنْسَانَ كَانُوا مُعِدِّينَ لِلْهَمْزِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُضُورٌ فَلَا هَمْزٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:" إِنَّ الشيطان يحضر أحدكم عند كل شي من شأنه حتى يحضر عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ البركة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب