الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" وَقَالَ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ [[راجع ج ٢ ص ٢١٥.]] " [البقرة: ١٧٢]- ثُمَّ ذَكَرَ [[هذه الجملة من كلام الراوي، والضمير فيه للنبي ﷺ.]] - الرَّجُلَ [[الرجل، بالرفع مبتدأ، مذكور على وجه الحكاية من لفظ سيدنا رسول الله ﷺ: ويجوز أن ينصب على أنه مفعول "ذكر".]] يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ (. الثَّانِيَةُ- قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ الرُّسُلِ، كَمَا قَالَ:" الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ [[راجع ج ٤ ص ٢٧٩.]] " [آل عمران: ١٧٣] يعنى نعيم بن مسعود. وقال الزَّجَّاجُ: هَذِهِ مُخَاطَبَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَدَلَّ الْجَمْعُ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ كُلَّهُمْ كَذَا أُمِرُوا، أَيْ كُلُوا مِنَ الْحَلَالِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْخِطَابُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ بَقْلِ الْبَرِّيَّةِ. وَوَجْهُ خِطَابِهِ لِعِيسَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ تَشْرِيفًا لَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ خُوطِبَ بِهَا كُلُّ نَبِيٍّ، لِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَتُهُمُ الَّتِي يَنْبَغِي لَهُمُ الْكَوْنُ عَلَيْهَا. فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَقُلْنَا يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، كَمَا تَقُولُ لِتَاجِرٍ: يَا تُجَّارُ يَنْبَغِي أَنْ تَجْتَنِبُوا الرِّبَا، فَأَنْتَ تُخَاطِبُهُ بِالْمَعْنَى. وَقَدِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَصْلُحُ لِجَمِيعِ صِنْفِهِ، فَلَمْ يُخَاطَبُوا قَطُّ مُجْتَمِعِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي عَصْرِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ، كُفُّوا عَنَّا أَذَاكُمْ. الثَّالِثَةُ- سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْخِطَابِ بِوُجُوبِ أَكْلِ الْحَلَالِ وَتَجَنُّبِ الْحَرَامِ، ثُمَّ شَمَلَ الْكُلَّ فِي الْوَعِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَهُمْ فَمَا ظَنُّ كُلُّ النَّاسِ بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الطَّيِّبَاتِ وَالرِّزْقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ [[راجع ج ١ ص ١٧٧.]]، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (يَمُدُّ يَدَيْهِ) دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَدِّ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَدْ مَضَى الْخِلَافُ فِي هَذَا وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ [[راجع ج ٧ ص ١٩٨، وص ٢٢٣.]]. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِبْعَادِ، أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ تَفَضُّلًا وَلُطْفًا وكرما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب