الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ الْمَوَازِينُ جَمْعُ مِيزَانٍ. فَقِيلَ: إِنَّهُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ مِيزَانًا تُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُهُ، فَتُوضَعُ الْحَسَنَاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَوَازِينُ لِلْعَامِلِ الْوَاحِدِ، يُوزَنُ بِكُلِ مِيزَانٍ مِنْهَا صِنْفٌ مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا قَالَ: مَلِكٌ تَقُومُ الْحَادِثَاتُ لِعَدْلِهِ ... فَلِكُلِّ حَادِثَةٍ لَهَا مِيزَانُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِيزَانًا وَاحِدًا عَبَّرَ عنه بلفظ الجمع. وخرج اللالكاني الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: (إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالْمِيزَانِ فَيُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ فَإِنْ رَجَحَ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ سَعِدَ فُلَانٌ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا وَإِنْ خَفَّ نَادَى الْمَلَكُ شَقِيَ فُلَانٌ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا (. وَخَرَّجَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:) صَاحِبُ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقِيلَ: لِلْمِيزَانِ كِفَّتَانِ وَخُيُوطٌ وَلِسَانٌ وَالشَّاهَيْنِ، فَالْجَمْعُ يَرْجِعُ إِلَيْهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ والضحاك: ذكر الميزان مثل وليس ثم مِيزَانٌ وَإِنَّمَا هُوَ الْعَدْلُ. وَالَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَعَلَيْهِ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. وَقَدْ مَضَى فِي "الْأَعْرَافِ" [[راجع ج ٧ ص ١٦٥.]] بَيَانُ هَذَا، وَفِي "الْكَهْفِ" [[راجع ج ١٠ ص ٤١٨.]] أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ "التَّذْكِرَةِ" مُسْتَوْفًى والحمد لله. و "القسط" الْعَدْلُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا بَخْسٌ وَلَا ظُلْمٌ كما يكون في وزن الدنيا. و "القسط" صِفَةُ الْمَوَازِينِ وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: مِيزَانُ قِسْطٍ، وَمِيزَانَانِ قِسْطٌ، وَمَوَازِينُ قِسْطٌ. مِثْلَ رِجَالٌ عَدْلٌ وَرِضًا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "الْقِصْطَ" بِالصَّادِ. "لِيَوْمِ الْقِيامَةِ" أَيْ لِأَهْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. "فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً" أَيْ لَا يُنْقَصُ مِنْ إِحْسَانِ مُحْسِنٍ وَلَا يزاد في إساءة مسي. (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) قَرَأَ نَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ "مِثْقَالُ حَبَّةٍ" بِالرَّفْعِ هُنَا، وَفِي "لُقْمَانَ" [[راجع ج ١٤ ص ٦٦ فما بعد.]] عَلَى مَعْنَى إِنْ وَقَعَ أَوْ حَضَرَ، فَتَكُونُ كَانَ تَامَّةً وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ الْبَاقُونَ "مِثْقَالَ" بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ أَوْ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِثْقَالَ. وَمِثْقَالُ الشَّيْءِ مِيزَانُهُ مِنْ مِثْلِهِ. (أَتَيْنا بِها) مقصورة الالف قراءة الجمهور أي أحضرناها وجينا بِهَا لِلْمُجَازَاةِ عَلَيْهَا وَلَهَا. يُجَاءُ بِهَا أَيْ بالحبة وَلَوْ قَالَ بِهِ أَيْ بِالْمِثْقَالِ لَجَازَ. وَقِيلَ: مِثْقَالُ الْحَبَّةِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْحَبَّةِ فَلِهَذَا قَالَ: "أَتَيْنَا بِهَا". وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: "آتَيْنَا" بِالْمَدِّ عَلَى مَعْنَى جَازَيْنَا بِهَا. يُقَالُ: آتَى يؤاتي مؤاتاة. (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) أي مجازين [[كذا في الأصول.]] عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَقِيلَ: "حاسبين" أي [[كذا في ك. وفي غيرها من الأصول: إذ.]] لَا أَحَدَ أَسْرَعُ حِسَابًا مِنَّا. وَالْحِسَابُ الْعَدُّ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَشْتُمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: (يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ وَإِنْ كَانَ عقابك [إياهم [[من ب وج وز وط وك.]]] فَوْقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ) قَالَ: فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا") فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلِهَؤُلَاءِ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أحرار كلهم. قال حديث غريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب