الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى﴾ [٢٠: ٨٣] أَيْ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَسْبِقَهُمْ. قِيلَ: عَنَى بِالْقَوْمِ جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَعَلَى هَذَا قيل: استخلف هرون عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِسَبْعِينَ رَجُلًا لِلْمِيقَاتِ. فَقَوْلُهُ: (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) [٢٠: ٨٤] لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفَهُ مُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهِ، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَ عَوْدِي إِلَيْهِمْ. وقيل: لا بل كان أمر هرون بِأَنْ يَتَّبِعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَثَرَهُ وَيَلْتَحِقُوا بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِالْقَوْمِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، وَكَانَ مُوسَى لَمَّا قَرُبَ مِنَ الطُّورِ سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله. [عز وجل [[من ى. وفي ك: تعالى.]]] وقيل: لما وفد إلى طور سينا بِالْوَعْدِ اشْتَاقَ إِلَى رَبِّهِ وَطَالَتْ عَلَيْهِ الْمَسَافَةُ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَضَاقَ به الامر حتى شَقَّ قَمِيصَهُ، ثُمَّ لَمْ يَصْبِرْ حَتَّى خَلَّفَهُمْ وَمَضَى وَحْدَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ فِي مَقَامِهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسى [٢٠: ٨٣]" فَبَقِيَ ﷺ متحيرا عن الجواب [لهذه [[من اوب وج وز وط وك وى.]] الكلمة لما استقبله من صدق الشوق فأعرض عَنِ الْجَوَابِ] وَكَنَّى عَنْهُ بِقَوْلِهِ:" هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [٢٠: ٨٤] "وَإِنَّمَا سَأَلَهُ السَّبَبَ الَّذِي أَعْجَلَهُ بِقَوْلِهِ" مَا" فَأَخْبَرَ عَنْ مَجِيئِهِمْ بِالْأَثَرِ. ثُمَّ قَالَ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [٢٠: ٨٤] فَكَنَّى عَنْ ذِكْرِ الشَّوْقِ وَصِدْقِهِ [[في ب وج وك وى: وصرفه.]] إِلَى ابْتِغَاءِ الرِّضَا. ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:" وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [٢٠: ٨٤] "قَالَ: شَوْقًا. وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذَا آوَتْ إِلَى فِرَاشِهَا تَقُولُ: هَاتُوا الْمَجِيدَ. فَتُؤْتَى بِالْمُصْحَفِ فَتَأْخُذُهُ فِي صَدْرِهَا وَتَنَامُ مَعَهُ تَتَسَلَّى بِذَلِكَ، رواه سفيان عن معسر عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَتَجَرَّدَ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ وَيَقُولَ:" إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّي "فَهَذَا مِنَ الرَّسُولِ ﷺ وَمِمَّنْ بَعْدَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّوْقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ:" طَالَ شَوْقُ الْأَبْرَارِ إِلَى لِقَائِي وَأَنَا إلى لقائهم أشوق". وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ اللَّهُ عَالِمًا وَلَكِنْ قَالَ:" وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ [٢٠: ٨٣]" رَحْمَةً لِمُوسَى، وَإِكْرَامًا لَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَتَسْكِينًا لِقَلْبِهِ، وَرِقَّةً [[المراد بالرقة هنا التعطف.]] عَلَيْهِ، فَقَالَ مُجِيبًا لِرَبِّهِ:" هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [٢٠: ٨٤]". قَالَ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ عِيسَى: بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: "هُمْ أُولَى" مَقْصُورَةً مُرْسَلَةً، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يقولون "أُولاءِ" ممدودة. وحكى الفراء" هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [٢٠: ٨٤] "وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَنَّ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُضَافُ فَيَكُونُ مِثْلَ هُدَايَ. وَلَا يَخْلُو مِنْ إِحْدَى جِهَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا مُبْهَمًا فَإِضَافَتُهُ مُحَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِينَ فَلَا يُضَافُ أَيْضًا، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَنَصْرٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ" عَلَى إِثْرِي "بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى أَثَرٍ، لُغَتَانِ." وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [٢٠: ٨٤]" أي عَجِلْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرْتَنِي بِالْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِتَرْضَى عَنِّي. يُقَالُ: رَجُلٌ عَجِلٌ وَعُجُلٌ وَعَجُولٌ وَعَجْلَانُ بَيِّنُ الْعَجَلَةِ، وَالْعَجَلَةُ خِلَافُ الْبُطْءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ﴾ [٢٠: ٨٥] أَيِ اخْتَبَرْنَاهُمْ وَامْتَحَنَّاهُمْ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) [٢٠: ٨٥] أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ أَوْ هُوَ سَبَبُهَا. وَقِيلَ: فَتَنَّاهُمْ أَلْقَيْنَاهُمْ فِي الْفِتْنَةِ: أَيْ زَيَّنَّا لَهُمْ عِبَادَةَ الْعِجْلِ، وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾[[راجع ج ٧ ص ٢٩٤ فما بعد.]] [الأعراف: ١٥٥]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ السَّامِرِيُّ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ [[أي من أهل الهند كما في بعض الاخبار.]]، فَوَقَعَ بِأَرْضِ مِصْرَ فَدَخَلَ فِي دِينِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِظَاهِرِهِ، وَفِي قَلْبِهِ مَا فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ الْبَقَرِ. وقيل: كان رجلا مِنَ الْقِبْطِ، وَكَانَ جَارًا لِمُوسَى آمَنَ بِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ. وَقِيلَ: كَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةٍ تُعْرَفُ بِالسَّامِرَةِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالشَّامِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ مِنْ أَهْلِ كَرْمَانَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً﴾ [٢٠: ٨٦] حَالٌ وَقَدْ مَضَى فِي (الْأَعْرَافِ) [[راجع ج ٧ ص ٢٨٦ فما بعد.]] بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى. (قالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) [٢٠: ٨٦] وَعَدَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ إِذَا أَقَامُوا عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَدَهُمْ أَنَّهُ يُسْمِعُهُمْ كَلَامَهُ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى لِسَانِ مُوسَى، لِيَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا فَيَسْتَحِقُّوا ثَوَابَ عَمَلِهِمْ. وَقِيلَ: وَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ. وَقِيلَ: وَعْدُهُ قَوْلُهُ:" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ [٢٠: ٨٢]" الْآيَةَ. (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) [٢٠: ٨٦] أَيْ أَفَنَسِيتُمْ، كَمَا قِيلَ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُنْسَى لِطُولِ الْعَهْدِ. (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [٢٠: ٨٦] "يَحِلَّ" أَيْ يَجِبُ وَيَنْزِلُ. وَالْغَضَبُ الْعُقُوبَةُ وَالنِّقْمَةُ. وَالْمَعْنَى: أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلًا يَكُونُ سَبَبَ حُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ بِكُمْ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَطْلُبُ غَضَبَ اللَّهِ [[في ب وج وز وط وك: غضب الرب.]]، بَلْ قَدْ يَرْتَكِبُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْغَضَبِ. (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) [٢٠: ٨٦] لِأَنَّهُمْ وَعَدُوهُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الطُّورِ. وَقِيلَ: وَعَدَهُمْ عَلَى أَثَرِهِ لِلْمِيقَاتِ فَتَوَقَّفُوا. (قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) [٢٠: ٨٧] بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَعَاصِمٍ وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: وَمَعْنَاهُ بِطَاقَتِنَا. ابْنُ زَيْدٍ: لَمْ نَمْلِكْ أَنْفُسَنَا أَيْ كُنَّا مُضْطَرِّينَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ" بِمَلْكِنا [٢٠: ٨٧] "بِكَسْرِ الْمِيمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، لِأَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ. وَهُوَ مَصْدَرٌ مَلَكْتُ الشَّيْءَ أَمْلِكُهُ مِلْكًا. وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: بِمِلْكِنَا الصَّوَابَ بَلْ أَخْطَأْنَا فَهُوَ اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ بِالْخَطَأِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" بِمُلْكِنَا "بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْمَعْنَى بِسُلْطَانِنَا أَيْ لَمْ يَكُنْ لَنَا مُلْكٌ فَنُخْلِفُ مَوْعِدَكَ. ثُمَّ قِيلَ قَوْلُهُ:" قالُوا "عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، أَيْ قَالَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الطُّورِ:" مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [٢٠: ٨٧]" وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. (وَلكِنَّا حُمِّلْنا) [٢٠: ٨٧] بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَكْسُورَةً، قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَرُوَيْسٌ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَرْفَيْنِ خَفِيفَةً. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا حلى القوم مَعَهُمْ وَمَا حَمَلُوهُ كُرْهًا. (أَوْزاراً) ٢٠: ٨٧ أَيْ أَثْقَالًا (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) ٢٠: ٨٧ أَيْ مِنْ حُلِيِّهِمْ، وَكَانُوا اسْتَعَارُوهُ حِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَوْهَمُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي عِيدٍ لَهُمْ أَوْ وَلِيمَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، لَمَّا قَذَفَهُمُ الْبَحْرُ إِلَى السَّاحِلِ. وَسُمِّيَتْ أَوْزَارًا بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ آثَامًا أَيْ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَخْذُهَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ، وَأَيْضًا فَالْأَوْزَارُ هِيَ الْأَثْقَالُ فِي اللُّغَةِ. (فَقَذَفْناها) ٢٠: ٨٧ أَيْ ثَقُلَ عَلَيْنَا حَمْلُ مَا كَانَ مَعَنَا مِنَ الْحُلِيِّ فَقَذَفْنَاهُ فِي النَّارِ لِيَذُوبَ، أَيْ طَرَحْنَاهُ فِيهَا. وَقِيلَ: طَرَحْنَاهُ إِلَى السَّامِرِيِّ لِتَرْجِعَ فَتَرَى فِيهَا رَأْيَكَ. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ السَّامِرِيَّ قَالَ لَهُمْ حِينَ اسْتَبْطَأَ الْقَوْمُ مُوسَى: إِنَّمَا احْتَبَسَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْحُلِيِّ، فَجَمَعُوهُ وَدَفَعُوهُ إِلَى السَّامِرِيِّ فَرَمَى بِهِ فِي النَّارِ وَصَاغَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: الْفَرَسُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ هُوَ الْحَيَاةُ، فَلَمَّا أَلْقَى عَلَيْهِ الْقَبْضَةَ صَارَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ. وَالْخُوَارُ صَوْتُ الْبَقَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا انْسَكَبَتِ الْحُلِيُّ فِي النَّارِ، جَاءَ السامري وقال لهارون: يا نبي الله أألقي مَا فِي يَدِي- وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْحُلِيِّ- فَقَذَفَ التُّرَابَ فِيهِ، وَقَالَ: كُنْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، فَكَانَ كَمَا قَالَ لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ، فَخَارَ خَوْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُتْبِعْهَا مِثْلَهَا. وَقِيلَ: خُوَارُهُ وَصَوْتُهُ كَانَ بِالرِّيحِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَمِلَ فِيهِ خُرُوقًا فَإِذَا دَخَلَتِ الرِّيحُ فِي جَوْفِهِ خَارَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَانَ عِجْلًا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ. وَرَوَى حَمَّادٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: مر هرون بِالسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَعُ الْعِجْلَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ يَخُورَ. وَكَانَ إِذَا خار سجدوا، وكان الخوار من أجل دعوة هرون. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَارَ كَمَا يَخُورُ الْحَيُّ مِنَ الْعُجُولِ. وَرَوَى أَنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا السَّامِرِيُّ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ مِنْ حُلِيِّهِمْ، فَمَنْ جَعَلَ الْجَسَدَ وَالْخُوَارَ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا. قَالَ مُوسَى ﷺ: وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَارْتِفَاعِكَ وَعُلُوِّكَ وَسُلْطَانِكَ مَا أَضَلَّهُمْ غَيْرُكَ. قَالَ: صَدَقْتَ يَا حَكِيمَ الْحُكَمَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ فِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) [[راجع ج ٧ ص فما ٢٨٤ بعد]]. (فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) [٢٠: ٨٨] أَيْ قَالَ السَّامِرِيُّ وَمَنْ [[في ب وج وط وك وى: تابعه]] تَبِعَهُ وَكَانُوا مَيَّالِينَ إِلَى التشبيه، إذ قَالُوا "اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ". الأعراف: ١٣٨" (فَنَسِيَ) أي فضل موسى [وذهب [[عبارة الحلالين يقتضيها المقام]]] بِطَلَبِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ، وَأَخْطَأَ الطَّرِيقَ إِلَى رَبِّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَتَرَكَهُ مُوسَى هُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ أَيْ تَرَكَ مُوسَى إِلَهَهُ هُنَا. وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يَذْكُرَ لَكُمْ أَنَّهُ إِلَهُهُ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ خَبَرٌ عَنِ السَّامِرِيِّ أَيْ تَرَكَ السَّامِرِيُّ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوسَى مِنَ الْإِيمَانِ فَضَلَّ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ:" أَفَلا يَرَوْنَ [٢٠: ٨٩]" أي يعتبرون ويتفكرون. في (أن) - هـ لَا (يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا) أَيْ لَا يُكَلِّمُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَعُودُ إِلَى الْخُوَارِ وَالصَّوْتِ. (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [٢٠: ٨٩] فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا؟! وَالَّذِي يَعْبُدُهُ مُوسَى ﷺ يضر وينفع ويثيب ويعطى ويمنع. و" أَلَّا يَرْجِعُ [٢٠: ٨٩] "تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الْفِعْلُ فَخُفِّفَتْ" أَنْ" وَحُذِفَ الضَّمِيرُ. وَهُوَ الِاخْتِيَارُ فِي الرُّؤْيَةِ وَالْعِلْمِ وَالظَّنِّ. قَالَ فِي فِتْيَةٍ مِنْ سُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ وَقَدْ يُحْذَفُ [[في ط وك: يجوز. أى الحذف]] مَعَ التَّشْدِيدِ، قَالَ: فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرَابَتِي ... وَلَكِنَّ زِنْجِيٌّ عَظِيمُ الْمَشَافِرِ أَيْ وَلَكِنَّكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب