الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ﴾ [٢٠: ٨٠] لَمَّا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ قَالَ لهم هذا ليشكروه. (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) [٢٠: ٨٠] "جانِبَ" نُصِبَ عَلَى المفعول الثاني ل "واعدنا" وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّهُ ظرف مكان محض غَيْرُ مُبْهَمٍ. وَإِنَّمَا تَتَعَدَّى الْأَفْعَالُ وَالْمَصَادِرُ إِلَى ظُرُوفِ الْمَكَانِ بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَةً. قَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا أَصْلٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ. وَوَاعَدْنَاكُمْ إِتْيَانَ جَانِبِ الطُّورِ، ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَيْ أَمَرْنَا مُوسَى أَنْ يَأْمُرَكُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ لِيُكَلِّمَهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَتَسْمَعُوا الْكَلَامَ. وَقِيلَ: وَعَدَ مُوسَى بَعْدَ إِغْرَاقِ فِرْعَوْنَ أَنْ يَأْتِيَ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ فَيُؤْتِيهِ التَّوْرَاةَ، فَالْوَعْدُ كَانَ لِمُوسَى وَلَكِنْ خُوطِبُوا بِهِ لِأَنَّ الْوَعْدَ كَانَ لِأَجْلِهِمْ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو "وَوَعَدْنَاكُمْ" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّ الْوَعْدَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى خَاصَّةً، وَالْمُوَاعَدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ. وقد مضى في (البقرة) [[راجع ج ١ ص ٣٩٤ وص ٤٠٦.]] هذا المعنى. و "الْأَيْمَنَ" نُصِبَ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْجَانِبِ وَلَيْسَ لِلْجَبَلِ يَمِينٌ وَلَا شِمَالٌ، فَإِذَا قِيلَ: خُذْ عَنْ يَمِينِ الْجَبَلِ فَمَعْنَاهُ خُذْ عَلَى يَمِينِكَ مِنَ الْجَبَلِ. وَكَانَ الْجَبَلُ عَلَى يَمِينِ مُوسَى إِذْ أَتَاهُ. (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) [٢٠: ٨٠] أَيْ فِي التِّيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ [[من ب وط وى.]]. (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ) أَيْ مِنْ لَذِيذِ الرِّزْقِ. وَقِيلَ: مِنْ حَلَالِهِ إِذْ لَا صُنْعَ فِيهِ لِآدَمِيٍّ فتدخله شبهة. (وَلا تَطْغَوْا) أَيْ لَا تَحْمِلَنَّكُمُ السَّعَةُ وَالْعَافِيَةُ أَنْ تَعْصُوا، لِأَنَّ الطُّغْيَانَ التَّجَاوُزُ إِلَى مَا لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، أَيْ لَا تَكْفُرُوا النِّعْمَةَ وَلَا تنسوا [شكر النعم ولا شُكْرَ [[من ب وط وى.]]] الْمُنْعِمِ بِهَا عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: أَيْ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِهَا شَيْئًا آخَرَ كَمَا قَالَ: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾[[من ب وط وى.]] [البقرة: ٦١] وَقِيلَ: لَا تَدَّخِرُوا مِنْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَيَتَدَوَّدَ عَلَيْهِمْ مَا ادَّخَرُوهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تَدَوَّدَ طَعَامٌ أَبَدًا. (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [٢٠: ٨١] أَيْ يَجِبَ وَيَنْزِلَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ مِنْ قَوْلِهِ: "وَلا تَطْغَوْا". (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) [٢٠: ٨١] قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ والكسائي:" فَيَحِلَّ [٢٠: ٨١]" بضم الحاء (وَمَنْ يَحْلِلْ) [٢٠: ٨١] بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى. وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لغتان. وحكى أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُقَالُ حَلَّ يَحِلُّ إِذَا وَجَبَ وَحَلَّ يَحُلُّ إِذَا نَزَلَ. وَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ: الضَّمُّ مِنَ الْحُلُولِ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَالْكَسْرُ مِنَ الْوُجُوبِ. وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَسْرَ أَوْلَى، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾[[راجع ج ٩ ص ٣٣.]] [هود: ٣٩]. وَغَضَبُ اللَّهِ عِقَابُهُ وَنِقْمَتُهُ وَعَذَابُهُ." فَقَدْ هَوى [٢٠: ٨١]" قَالَ الزَّجَّاجُ: فَقَدْ هَلَكَ، أَيْ صَارَ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَهِيَ قَعْرُ النَّارِ، مِنْ هَوَى يَهْوِي هَوِيًّا أَيْ سَقَطَ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ، وَهَوَى فُلَانٌ أَيْ مَاتَ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا ثَعْلَبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ [[بالتصغير بن ماتع (بالتاء المثناة الفوقية) الأصبحي.]] قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ جَبَلًا يُدْعَى صَعُودًا يَطْلُعُ فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَرْقَاهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾[[راجع ج ١٩ ص ٧٢.]] [المدثر: ١٧] وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ هَوَى يُرْمَى الْكَافِرُ مِنْ أَعْلَاهُ فَيَهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَصْلَهُ [[في ك: قعره.]] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى [٢٠: ٨١] "وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ". قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ﴾ [٢٠: ٨٢] أَيْ مِنَ الشِّرْكِ. (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [٢٠: ٨٢] أَيْ أَقَامَ عَلَى إِيمَانِهِ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَمْ يُشَكَّ فِي إِيمَانِهِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَقَامَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَخَذَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ ذكره الْمَهْدَوِيُّ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: أَصَابَ الْعَمَلَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيَهْتَدِيَ كَيْفَ يَفْعَلُ، ذَكَرَ الْأَوَّلَ الْمَهْدَوِيُّ، وَالثَّانِي الثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: عَلِمَ أَنَّ لِذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَيْهِ عِقَابًا، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ:" ثُمَّ اهْتَدى [٢٠: ٨٢] "فِي وِلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ سَائِرُهَا. قَالَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ: كُنَّا نَسْمَعُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ [٢٠: ٨٢] "أَيْ مِنَ الشِّرْكِ" وَآمَنَ ١١٠ "أَيْ بَعْدَ الشِّرْكِ" وَعَمِلَ صالِحاً "صَلَّى وَصَامَ" ثُمَّ اهْتَدى [٢٠: ٨٢]" مات على ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب