الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى﴾ [٢٠: ٣٦] لَمَّا سَأَلَهُ شَرْحَ الصَّدْرِ، وَتَيْسِيرَ الْأَمْرِ إِلَى مَا ذَكَرَ، أَجَابَ سُؤْلَهُ، وَأَتَاهُ طِلْبَتَهُ وَمَرْغُوبَهُ. وَالسُّؤْلُ الطِّلْبَةُ، فُعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَقَوْلِكَ خُبْزٌ بِمَعْنَى مَخْبُوزٍ وَأُكْلٌ بِمَعْنَى مَأْكُولٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى﴾ [٢٠: ٣٧] أَيْ قَبْلَ هَذِهِ، وَهِيَ حِفْظُهُ سُبْحَانَهُ لَهُ مِنْ شَرِّ الْأَعْدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ حِينَ الذَّبْحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَنُّ الْإِحْسَانُ وَالْإِفْضَالُ. وَقَوْلُهُ: (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى) [٢٠: ٣٨] قِيلَ: "أَوْحَيْنا" أَلْهَمْنَا. وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَيْهَا فِي النَّوْمِ. وَقَالَ ابن عباس [رضى الله عنهما [[من ج وك.]]]: أَوْحَى إِلَيْهَا كَمَا أَوْحَى إِلَى النَّبِيِّينَ. (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) [٢٠: ٣٩] قَالَ مُقَاتِلٌ: مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ هُوَ الَّذِي صَنَعَ التَّابُوتَ وَنَجَرَهُ وَكَانَ اسْمُهُ حِزْقِيلَ. وَكَانَ التَّابُوتُ مِنْ جُمَّيْزٍ. (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) [٢٠: ٣٩] أَيِ اطْرَحِيهِ فِي الْبَحْرِ: نَهْرِ النيل. (فَلْيُلْقِهِ) [٢٠: ٣٩] قَالَ الْفَرَّاءُ:" فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ [٢٠: ٣٩] "أَمْرٌ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ. أَيِ اقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمُّ. وَكَذَا قوله:﴿ اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾[[راجع ج ١٣ ص ٣٣٠ فما بعد.]] [العنكبوت: ١٢]. (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) [٢٠: ٣٩] يَعْنِي فِرْعَوْنَ، فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا، وَجَعَلَتْ فِيهِ نِطْعًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى، وَقَيَّرَتْ رَأْسَهُ وَخِصَاصَهُ- يَعْنِي شُقُوقَهُ- ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ، وَكَانَ يَشْرَعُ مِنْهُ نَهْرٌ كَبِيرٌ فِي دَارِ فِرْعَوْنَ، فَسَاقَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ إِلَى دَارِ فِرْعَوْنَ. وَرُوِيَ أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي التَّابُوتِ قُطْنًا مَحْلُوجًا، فَوَضَعَتْهُ فِيهِ وَقَيَّرَتْهُ وَجَصَّصَتْهُ، ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ. وَكَانَ يَشْرَعُ مِنْهُ إِلَى بُسْتَانِ فِرْعَوْنَ نَهْرٌ كَبِيرٌ، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رَأْسِ بِرْكَةٍ مَعَ آسِيَةَ، إِذَا بِالتَّابُوتِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَفُتِحَ فإذا صبي أصبح النَّاسِ، فَأَحَبَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ حُبًّا شَدِيدًا لَا يَتَمَالَكُ أَنْ يَصْبِرَ عَنْهُ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَحْرَ أَلْقَاهُ بِسَاحِلِهِ وَهُوَ شَاطِئُهُ، فَرَأَى فِرْعَوْنُ التَّابُوتَ بِالسَّاحِلِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِلْقَاءُ الْيَمِّ بِمَوْضِعٍ مِنَ السَّاحِلِ، فِيهِ فُوَّهَةُ [[فوهة الوادي بالضم والشد: فمه كفوهته.]] نَهْرِ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ أَدَّاهُ النَّهْرُ إِلَى حَيْثُ الْبِرْكَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: وَجَدَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَكَانَ بِهَا بَرَصٌ، فَلَمَّا فَتَحَتِ التَّابُوتَ شُفِيَتْ. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ حِينَ الْتَقَطُوا التَّابُوتَ عَالَجُوا فَتْحَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَعَالَجُوا كَسْرَهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَدَنَتْ آسِيَةُ فَرَأَتْ فِي جَوْفِ التَّابُوتِ نُورًا فَعَالَجَتْهُ فَفَتَحَتْهُ، فَإِذَا صَبِيٌّ نُورُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَمُصُّ إِبْهَامَهُ لَبَنًا فَأَحَبُّوهُ. وَكَانَتْ لِفِرْعَوْنَ بِنْتٌ بَرْصَاءُ، وَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاءُ: لَا تَبْرَأُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ يُوجَدُ فِيهِ شَبَهُ إِنْسَانٍ دَوَاؤُهَا رِيقُهُ، فَلَطَّخَتِ الْبَرْصَاءُ بَرَصَهَا بِرِيقِهِ فَبَرِئَتْ. وَقِيلَ: لَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ بَرِئَتْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: وَجَدَتْهُ جَوَارٍ لِامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فِرْعَوْنُ فَرَأَى صَبِيًّا من أصبح الناس وجها، فأحبه فرعون. فذلك قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [٢٠: ٣٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبَّهُ اللَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ [[في ب وج وز وط وك وى: عطية.]]: جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ لَا يَكَادُ يَصْبِرُ عَنْهُ مَنْ رَآهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى مَلَاحَةٌ مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ وَعَشِقَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَعْنَى جَعَلْتُ فِيكَ حُسْنًا وَمَلَاحَةً فَلَا يَرَاكَ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّكَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْمَعْنَى أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: جَعَلْتُ مَنْ رَآكَ أَحَبَّكَ حَتَّى أَحَبَّكَ فِرْعَوْنُ فَسَلِمْتَ مِنْ شَرِّهِ، وَأَحَبَّتْكَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ فَتَبَنَّتْكَ. (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [٢٠: ٣٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي حَيْثُ جُعِلْتَ فِي التَّابُوتِ، وَحَيْثُ أُلْقِيَ التَّابُوتُ فِي الْبَحْرِ، وَحَيْثُ الْتَقَطَكَ جَوَارِي امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَأَرَدْنَ أَنْ يَفْتَحْنَ التَّابُوتَ لِيَنْظُرْنَ مَا فِيهِ، فَقَالَتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ: لَا تَفْتَحْنَهُ حَتَّى تَأْتِينَ بِهِ سَيِّدَتَكُنَّ فَهُوَ أَحْظَى لَكُنَّ عِنْدَهَا، وَأَجْدَرُ بِأَلَّا تَتَّهِمَكُنَّ بِأَنَّكُنَّ وَجَدْتُنَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَخَذْتُمُوهُ لِأَنْفُسِكُنَّ. وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لَا تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا مَا اسْتَقَيْنَهُ أُولَئِكَ الْجَوَارِي. فَذَهَبْنَ بِالتَّابُوتِ إِلَيْهَا مُغْلَقًا، فَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتْ صَبِيًّا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ قَطُّ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهَا مَحَبَّتُهُ فَأَخَذَتْهُ فَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ له: [القصص: ٩] "قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" [[راجع ج ١٣ ص ٢٥٠ فما بعد.]] قَالَ لَهَا فِرْعَوْنُ: أَمَّا لَكِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا لِي فَلَا. فَبَلَغَنَا أَنَّ رسول الله ﷺ قال: (لو أن فرعون قال نَعَمْ هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ لَآمَنَ وَصَدَّقَ) فَقَالَتْ: هَبْهُ لِي وَلَا تَقْتُلْهُ، فَوَهَبَهُ لَهَا. وَقِيلَ: "وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي" أَيْ تُرَبَّى وَتُغَذَّى عَلَى مَرْأًى مِنِّي، قَالَهُ قَتَادَةُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: صَنَعْتُ الفرس وأصنعت إِذَا أَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى." وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [٢٠: ٣٩] "فَعَلْتُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ:" إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ "عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ف"- إِذْ "ظَرْفٌ" لِتُصْنَعَ". وَقِيلَ: الْوَاوُ فِي "وَلِتُصْنَعَ" زَائِدَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ "وَلِتُصْنَعْ" بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْأَمْرِ، وَظَاهِرُهُ لِلْمُخَاطَبِ وَالْمَأْمُورُ غَائِبٌ. وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ: "وَلِتَصْنَعَ" بِفَتْحِ التَّاءِ. وَالْمَعْنَى وَلِتَكُونَ حَرَكَتُكَ وَتَصَرُّفُكَ بِمَشِيئَتِي وَعَلَى عَيْنٍ مِنِّي. ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. "إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ" الْعَامِلُ فِي" إِذْ تَمْشِي [٢٠: ٤٠]" "أَلْقَيْتُ" أَوْ "تُصْنَعَ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ "إِذْ أَوْحَيْنا" وَأُخْتُهُ اسْمُهَا مَرْيَمُ. (فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) وَذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مُتَعَرِّفَةً خَبَرَهُ، وَكَانَ مُوسَى لَمَّا وَهَبَهُ فِرْعَوْنُ مِنَ امْرَأَتِهِ طلبت له المراضع، كان لَا يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى أَقْبَلَتْ أُخْتُهُ، فَأَخَذَتْهُ وَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا وَنَاوَلَتْهُ ثَدْيَهَا فَمَصَّهُ وَفَرِحَ بِهِ. فَقَالُوا لَهَا: تُقِيمِينَ عِنْدَنَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا لَبَنَ لِي وَلَكِنْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. قَالُوا: وَمَنْ هِيَ؟. قَالَتْ: أُمِّي. فَقَالُوا: لَهَا لَبَنٌ؟ قَالَتْ: لبن أخى هرون. وكان هرون أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ. وَقِيلَ: بِثَلَاثٍ. وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَحِمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَوُلِدَ هَارُونُ فيها، قاله ابن عباس. فجاءت الام فقبل ثديها. فذلك قوله تعالى: (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) [٢٠: ٤٠] وَفَى مُصْحَفِ أُبَيٍّ "فَرَدَدْنَاكَ". (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) وَرَوَى عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ "كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها" بِكَسْرِ الْقَافِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَرِرْتُ بِهِ عَيْنًا وَقَرَرْتُ بِهِ قُرَّةً وَقُرُورًا فِيهِمَا. وَرَجُلٌ قَرِيرُ الْعَيْنِ، وَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُهُ تَقِرُّ وَتَقَرُّ نَقِيضَ سَخِنَتْ. وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ أَعْطَاهُ حَتَّى تَقَرَّ فَلَا تَطْمَحُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَيُقَالُ: حَتَّى تَبْرُدَ وَلَا تَسْخَنَ. وَلِلسُّرُورِ دَمْعَةٌ بَارِدَةٌ، وَلِلْحُزْنِ دَمْعَةٌ حَارَّةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي (مَرْيَمَ) [[راجع ص ٨١ فما بعد من هذا الجزء.]]. "وَلا تَحْزَنَ" أَيْ عَلَى فَقْدِكَ. (وَقَتَلْتَ نَفْساً) [٢٠: ٤٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا. قَالَ كَعْبٌ: وَكَانَ إذ ذاك ابن اثنتي عَشْرَةَ سَنَةً. فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَكَانَ قَتْلُهُ خَطَأً، عَلَى مَا يَأْتِي. (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) [٢٠: ٤٠] أَيْ آمَّنَّاكَ مِنَ الْخَوْفِ وَالْقَتْلِ وَالْحَبْسِ. (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [٢٠: ٤٠] أَيِ اخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا حَتَّى صَلُحْتَ لِلرِّسَالَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَوْنَاكَ بَلَاءً. مُجَاهِدٌ: أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اخْتَبَرْنَاكَ بِأَشْيَاءَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ، أَوَّلُهَا: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي كَانَ فِرْعَوْنُ يَذْبَحُ فِيهَا الْأَطْفَالَ، ثُمَّ إِلْقَاؤُهُ فِي الْيَمِّ، ثُمَّ مَنْعُهُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ جَرُّهُ بِلِحْيَةِ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ تَنَاوُلُهُ الْجَمْرَةَ بَدَلَ الدُّرَّةِ، فَدَرَأَ ذَلِكَ عَنْهُ قَتْلَ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ قَتْلُهُ الْقِبْطِيَّ وَخُرُوجُهُ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، ثُمَّ رِعَايَتُهُ الْغَنَمَ لِيَتَدَرَّبَ بِهَا عَلَى رِعَايَةِ الْخَلْقِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ نَدَّ لَهُ مِنَ الْغَنَمِ جَدْيٌ فَاتَّبَعَهُ أَكْثَرَ النَّهَارِ، وَأَتْعَبَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: أتعبتني وأتبعت نفسك، ولم يغضب عليه. قال وهب ابن منبه: ولهذا اتخذه الله تعالى كَلِيمًا، وَقَدْ مَضَى فِي (النِّسَاءِ) [[راجع ج ٦ ص ١٨.]]. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ [٢٠: ٤٠] يُرِيدُ عَشْرَ سِنِينَ أَتَمَّ الْأَجَلَيْنِ. وَقَالَ وَهْبٌ: لَبِثَ عِنْدَ شُعَيْبٍ ثَمَانِيَ وَعِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا عَشَرَةٌ مَهْرُ امرأته صفورا ابنة شعيب، وثماني عشرة إقامة عنده حتى ولد له عنده. وقوله: (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى) [٢٠: ٤٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ: يُرِيدُ مُوَافِقًا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُبْعَثُونَ إِلَّا أَبْنَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ:" عَلى قَدَرٍ [٢٠: ٤٠]" عَلَى وَعْدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ثُمَّ جِئْتَ عَلَى الْقَدَرِ الَّذِي قدرت لك أنك تجئ فِيهِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ جِئْتَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا إِرْسَالَكَ فِيهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [٢٠: ٤١] قال ابن عباس: أي اصطفيتك لوحي وَرِسَالَتِي. وَقِيلَ:" اصْطَنَعْتُكَ [٢٠: ٤١]" خَلَقْتُكَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الصَّنْعَةِ. وقيل: قويتك وعلمتك لتبلغ عبادي أمرى ونهى. (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) [٢٠: ٤٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ التِّسْعَ الْآيَاتِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ. (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [٢٠: ٤٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَضْعُفَا أَيْ فِي أَمْرِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: تفترا. قال الشاعر: [[هو العجاج.]] فَمَا وَنَى مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ ... لَهُ الاله ما مضى وما غبر والونى الضعف والفتور، والكلال والإعياء [وكله مراد في الآية [[من ب وج وى.]]]. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: مِسَحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الْوَنَى ... أَثَرْنَ غُبَارًا بِالْكَدِيدِ الْمُرَكَّلِ [[مسح معناه يصب الجري صبا. والسابحات اللاتي عدوهن سباحة والسباحة في الجري بسط الأيدي. والكديد: الموضع الغليظ. والمركل: الذي يركل بالأيدي. ومعنى البيت: أن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب جرى هذا الفرس جريا مهلا.]] وَيُقَالُ: وَنَيْتُ فِي الْأَمْرِ أَنِي وَنًى وَوَنْيًا أَيْ ضَعُفْتُ فَأَنَا وَانٍ وَنَاقَةٌ وَانِيَةٌ وَأَوْنَيْتُهَا أَنَا أَضْعَفْتُهَا وَأَتْعَبْتُهَا: وَفُلَانٌ لَا يَنِي كَذَا، أَيْ لَا يَزَالُ، وَبِهِ فَسَّرَ أَبَانٌ مَعْنَى الْآيَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ طَرَفَةَ: كَأَنَّ الْقُدُورَ الرَّاسِيَاتِ أَمَامَهُمْ ... قِبَابٌ بَنَوْهَا لَا تَنِي أَبَدًا تَغْلِي وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: لَا تُبْطِئَا. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَلَا تَهِنَا فِي ذِكْرِي" وَتَحْمِيدِي وتمجيدي وتبليغ رسالتي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب