قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَذلِكَ﴾ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ نَعْتٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ خَبَرَ مُوسَى" كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ [٢٠: ٩٩]" قَصَصًا كَذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ مَا قَدْ سَبَقَ، لِيَكُونَ تَسْلِيَةً لَكَ، وَلِيَدُلَّ عَلَى صِدْقِكَ.
(وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) [٢٠: ٩٩] يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ ذِكْرًا، لِمَا فِيهِ من الذكر كما سمي الرسول ذكرا، لان الذِّكْرُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ:" آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً [٢٠: ٩٩] "أَيْ شَرَفًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ﴾[[راجع ج ١٦ ص ٩٣.]] [الزخرف: ٤٤] أي شرف وتنويه باسمك.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ [٢٠: ١٠٠] أَيِ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) [٢٠: ١٠٠] أَيْ إِثْمًا عَظِيمًا وَحِمْلًا ثَقِيلًا.
(خالِدِينَ فِيهِ) [٢٠: ١٠١] يُرِيدُ مُقِيمِينَ فِيهِ، أَيْ فِي جَزَائِهِ وَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ.
(وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا) [٢٠: ١٠١] يُرِيدُ بِئْسَ الْحِمْلُ حملوه يوم القيامة. وقرا داود ابن رُفَيْعٍ: "فَإِنَّهُ يُحَمَّلُ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "يُنْفَخُ" بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِنُونِ مُسَمَّى الْفَاعِلِ. وَاسْتَدَلَّ أَبُو عَمْرٍو بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَنَحْشُرُ" بِنُونٍ. وَعَنِ ابْنِ هُرْمُزَ "يَنْفُخُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ. أَبُو عِيَاضٍ: "فِي الصُّورِ". الْبَاقُونَ: "فِي الصُّورِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي (الْأَنْعَامِ) [[راجع ج ٧ ص ٢٠ فما بعد.]] مُسْتَوْفًى وَفِي كتاب (التذكرة). وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ "وَيُحْشَرُ" بِضَمِّ الْيَاءِ "الْمُجْرِمُونَ" رَفْعًا بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ. وَالْبَاقُونَ" وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ [٢٠: ١٠٢]" أَيِ الْمُشْرِكِينَ.
(زُرْقاً) [٢٠: ١٠٢] حَالٌ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، وَالزَّرَقُ خِلَافُ الْكَحَلِ. وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِزَرَقِ الْعُيُونِ وَتَذُمُّهُ، أَيْ تُشَوَّهُ خِلْقَتُهُمْ بِزُرْقَةِ عُيُونِهِمْ وَسَوَادِ وُجُوهِهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ:" زُرْقاً [٢٠: ١٠٢]" أَيْ عُمْيًا. وَقَالَ الأزهري: [أي [[من ك.]]] عِطَاشًا قَدِ ازْرَقَّتْ أَعْيُنُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، وَقَالَهُ الزَّجَّاجُ، قَالَ: لِأَنَّ سَوَادَ الْعَيْنِ يَتَغَيَّرُ وَيَزْرَقُّ مِنَ الْعَطَشِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الطَّمَعُ الْكَاذِبُ إِذَا تَعَقَّبَتْهُ الْخَيْبَةُ، يُقَالُ: ابْيَضَّتْ عَيْنِي لِطُولِ انْتِظَارِي لِكَذَا. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالزُّرْقَةِ شُخُوصُ الْبَصَرِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنَاكَ يَا ابْنَ مُكَعْبَرٍ ... كَمَا كُلُّ ضَبِّيٍّ مِنَ اللُّؤْمِ أَزْرَقُ
يُقَالُ: رَجُلٌ أَزْرَقُ الْعَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ زَرْقَاءُ بَيِّنَةُ الزَّرَقِ. وَالِاسْمُ الزُّرْقَةُ. وَقَدْ زَرِقَتْ عَيْنُهُ بِالْكَسْرِ وَازْرَقَّتْ عَيْنُهُ ازْرِقَاقًا، وَازْرَاقَّتْ عَيْنُهُ ازْرِيقَاقًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:" وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [٢٠: ١٠٢] "وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا﴾[[راجع ج ١٠ ص ٣٣٣.]] [الاسراء: ٩٧] فَقَالَ: إِنَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ حَالَاتٍ، فَحَالَةٌ يَكُونُونَ فيها زُرْقًا، وَحَالَةٌ عُمْيًا.
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) [٢٠: ١٠٣] أَصْلُ الْخَفْتِ فِي اللُّغَةِ السُّكُونُ، ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ خَفَضَ صوته خفته. [والمعنى [[من ب وج وط وك.]]] يتسارون، قاله مجاهد، أي يقول بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي الْمَوْقِفِ سِرًّا (إِنْ لَبِثْتُمْ) أَيْ مَا لَبِثْتُمْ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: فِي الْقُبُورِ (إِلَّا عَشْراً) [٢٠: ١٠٣] يُرِيدُ عَشْرَ لَيَالٍ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، يُرْفَعُ الْعَذَابُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَنِ الْكُفَّارِ.- فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ- فَيَسْتَقْصِرُونَ تِلْكَ الْمُدَّةَ. أَوْ مُدَّةَ مَقَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِشِدَّةِ مَا يَرَوْنَ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُخَيَّلُ إِلَى أَمْثَلِهِمْ أَيْ أَعْدَلِهِمْ قَوْلًا وَأَعْقَلِهِمْ وَأَعْلَمِهِمْ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا يَعْنِي لُبْثَهُمْ فِي الدُّنْيَا، عَنْ قَتَادَةَ، فَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا مِثْلَ يَوْمٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ هَوْلِ الْمَطْلَعِ نَسُوا مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا رَأَوْهُ كَيَوْمٍ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِيَوْمِ لُبْثِهِمْ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، أَوْ لُبْثَهُمْ في القبور على ما تقدم. "وعشرا" و "يوما" منصوبان ب"- لبثتم".
{"ayahs_start":99,"ayahs":["كَذَ ٰلِكَ نَقُصُّ عَلَیۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرࣰا","مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُۥ یَحۡمِلُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وِزۡرًا","خَـٰلِدِینَ فِیهِۖ وَسَاۤءَ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ حِمۡلࣰا","یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ زُرۡقࣰا","یَتَخَـٰفَتُونَ بَیۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرࣰا","نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَقُولُونَ إِذۡ یَقُولُ أَمۡثَلُهُمۡ طَرِیقَةً إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا یَوۡمࣰا"],"ayah":"خَـٰلِدِینَ فِیهِۖ وَسَاۤءَ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ حِمۡلࣰا"}