الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا﴾ هذا الْمُنَافِقِينَ. وَأَصْلُ "لَقُوا" لَقِيُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١ ص ٢٠٦ طبعه ثانية]]. "وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ" الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا مِنْهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ نَافَقُوا، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِمَا عُذِّبَ بِهِ آبَاؤُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: "أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ" أَيْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، لِيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ. وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَازَلَ قُرَيْظَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ سَمِعَ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَبْلُغْ إِلَيْهِمْ، وَعَرَضَ لَهُ، فَقَالَ: "أَظُنُّكَ سَمِعْتَ شَتْمِي مِنْهُمْ لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ" وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا، فَقَالَ لَهُمْ: (أَنَقَضْتُمُ الْعَهْدَ يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَخْزَاكُمُ الله وأنزل بكم نقمته) فقالوا: مَا كُنْتَ جَاهِلًا يَا مُحَمَّدُ فَلَا تَجْهَلْ عَلَيْنَا، مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ مَا خَرَجَ هَذَا الْخَبَرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِنَا! رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مُجَاهِدٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذا خَلا﴾ الْأَصْلُ فِي "خَلا" خَلَوَ، قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى "خَلا" فِي أَوَّلِ السُّورَةِ [[يراجع ج ١ ص ٢٠٦ طبعه ثانية]]. وَمَعْنَى "فَتَحَ" حَكَمَ. وَالْفَتْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾ [[راجع ج ٧ ص ٢٥١.]] أَيِ الْحَاكِمِينَ، وَالْفَتَّاحُ: الْقَاضِي بِلُغَةِ الْيَمَنِ، يُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْفَتَّاحُ، قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ عَلَى الظَّالِمِ. وَالْفَتْحُ: النَّصْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: "يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا"، [[راجع ص ٢٦ من هذا الجزء]]، وَقَوْلُهُ: "إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ" [[راجع ج ٧ ص ٣٨٦.]]. وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ﴾ نُصِبَ بِلَامِ كَيْ، وَإِنْ شِئْتَ بِإِضْمَارِ أَنْ، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ، حَذْفُ النُّونِ. قَالَ يُونُسُ: وَنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَفْتَحُونَ لَامَ كَيْ. قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّ الْفَتْحَ الْأَصْلُ. قَالَ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ: هِيَ لُغَةُ بَنِي الْعَنْبَرِ. وَمَعْنَى "لِيُحَاجُّوكُمْ" لِيُعَيِّرُوكُمْ، وَيَقُولُوا نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِيَحْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، يَقُولُونَ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْدَ أَنْ وَقَفْتُمْ عَلَى صِدْقِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَلْقَى صَدِيقَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُ لَهُ: تَمَسَّكْ بِدِينِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ حَقًّا. "عِنْدَ رَبِّكُمْ" قِيلَ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ: "ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ" [[راجع ج ١٥ ص ٢٥٤]]. وَقِيلَ: عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّكُمْ. وَقِيلَ: "عِنْدَ" بِمَعْنَى "فِي" أَيْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ فِي رَبِّكُمْ، فَيَكُونُوا أَحَقَّ به منكم لظهور الحجة عليكم، وروي عَنِ الْحَسَنِ. وَالْحُجَّةُ: الْكَلَامُ الْمُسْتَقِيمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَحَجَّةُ الطَّرِيقِ. وَحَاجَجْتُ فُلَانًا فَحَجَجْتُهُ، أَيْ غَلَبْتُهُ بِالْحُجَّةِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى). "أَفَلا تَعْقِلُونَ" قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَحْبَارِ لِلْأَتْبَاعِ. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ. ثُمَّ وَبَّخَهُمْ تَوْبِيخًا يُتْلَى فَقَالَ: "أَوَلا يَعْلَمُونَ" الْآيَةَ. فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ "يَعْلَمُونَ" بِالْيَاءِ، وَابْنِ مُحَيْصِنٍ بِالتَّاءِ، خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي أَسَرُّوهُ كُفْرُهُمْ، وَالَّذِي أَعْلَنُوهُ الْجَحْدُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب