الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ تَقَدَّمَ [[يراجع ج ١ ص ٢١٠ طبعه ثانية.]] الْقَوْلُ فِيهِ. وَلَمَّا كَانَ الْعَذَابُ تَابِعًا لِلضَّلَالَةِ وَكَانَتِ الْمَغْفِرَةُ تَابِعَةً لِلْهُدَى الَّذِي اطَّرَحُوهُ دَخَلَا فِي تَجَوُّزِ الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ- مِنْهُمِ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ- أَنَّ "مَا" مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ، كَأَنَّهُ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى النَّارِ وَمُكْثِهِمْ فِيهَا. وَفِي التَّنْزِيلِ:" قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ [[راجع ج ١٩ ص ٢١٥.]] " [عبس: ١٧] و" أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ [[راجع ج ١١ ص ١٠٨.]] " [مريم: ٣٨]. وَبِهَذَا الْمَعْنَى صَدَّرَ أَبُو عَلِيٍّ. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالرَّبِيعُ: مَا لَهُمْ وَاللَّهِ عَلَيْهَا مِنْ صَبْرٍ، وَلَكِنْ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى النَّارِ! وَهِيَ لُغَةٌ يَمَنِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَخْبَرَنِي الْكِسَائِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَاضِي الْيَمَنِ أَنَّ خَصْمَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فَوَجَبَتِ الْيَمِينُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَحَلَفَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا أَصْبَرَكَ عَلَى اللَّهِ؟ أَيْ مَا أَجْرَأَكَ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: مَا أَشْجَعَهُمْ عَلَى النَّارِ إِذْ يَعْمَلُونَ عَمَلًا يُؤَدِّي إِلَيْهَا. وَحَكَى الزَّجَّاجُ أَنَّ الْمَعْنَى مَا أَبْقَاهُمْ عَلَى النَّارِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا أَصْبَرَ فُلَانًا عَلَى الْحَبْسِ! أَيْ مَا أَبْقَاهُ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَمَا أَقَلَّ جَزَعِهِمْ مِنَ النَّارِ، فَجَعَلَ قِلَّةَ الْجَزَعِ صَبْرًا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَقُطْرُبٌ: أَيْ مَا أَدْوَمَهُمْ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: "مَا" اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَعَطَاءٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، ومعناه: أي أي شي صَبَّرَهُمْ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ النَّارِ؟! وَقِيلَ: هَذَا على وجه الاستهانة بهم والاستخفاف بأمرهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب