شَبَّهَ تَعَالَى وَاعِظَ الْكُفَّارِ وَدَاعِيهِمْ وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ بِالرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءَهُ وَنِدَاءَهُ، وَلَا تَفْهَمُ مَا يَقُولُ، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ وَسِيبَوَيْهِ، وَهَذِهِ نِهَايَةُ الْإِيجَازِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُشَبَّهُوا بِالنَّاعِقِ إِنَّمَا شُبِّهُوا بِالْمَنْعُوقِ بِهِ. وَالْمَعْنَى: وَمَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِقِ وَالْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْهَمُ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دعائهم الآلهة الحماد كَمَثَلِ الصَّائِحِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَيُجِيبُهُ الصَّدَى، فَهُوَ يَصِيحُ بِمَا لَا يَسْمَعُ، وَيُجِيبُهُ مَا لَا حَقِيقَةٌ فِيهِ وَلَا مُنْتَفَعٌ. وَقَالَ قُطْرُبُ: الْمَعْنَى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ مَا لَا يَفْهَمُ، يَعْنِي الْأَصْنَامَ، كَمَثَلِ الرَّاعِي إِذَا نَعَقَ بِغَنَمِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هِيَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: الْمُرَادُ مَثَلُ الْكَافِرِينَ فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِشَيْءٍ بَعِيدٍ فَهُوَ لا يسمع من أجل الْبُعْدِ، فَلَيْسَ لِلنَّاعِقِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا النِّدَاءُ الَّذِي يُتْعِبُهُ وَيُنْصِبُهُ. فَفِي هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الثَّلَاثَةُ يُشَبَّهُ الْكُفَّارَ بِالنَّاعِقِ الصَّائِحِ، وَالْأَصْنَامَ بِالْمَنْعُوقِ بِهِ. وَالنَّعِيقُ: زَجْرُ الْغَنَمِ وَالصِّيَاحُ بِهَا، يُقَالُ: نَعَقَ الراعي بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعاقا، أَيْ صَاحَ بِهَا وَزَجَرَهَا. قَالَ الْأَخْطَلُ:
انْعِقْ بِضَأْنِكَ يَا جَرِيرٌ فَإِنَّمَا ... مَنَّتْكَ نَفْسَكَ فِي الْخَلَاءِ ضَلَالًا
قَالَ الْقُتَبِيُّ: لَمْ يَكُنْ جَرِيرٌ رَاعِي ضَأْنٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ بَنِي كُلَيْبٍ يُعَيَّرُونَ بِرَعْيِ الضَّأْنِ، وَجَرِيرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي جَهْلِهِمْ. وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الْمَثَلَ بِرَاعِي الْغَنَمِ فِي الْجَهْلِ وَيَقُولُونَ: "أَجْهَلُ مِنْ رَاعِي ضَأْنٍ". قَالَ الْقُتَبِيُّ: وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا فِي مَعْنَى الْآيَةِ كَانَ مَذْهَبًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ. وَالنِّدَاءُ لِلْبَعِيدِ، وَالدُّعَاءُ لِلْقَرِيبِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ نِدَاءٌ لِأَنَّهُ لِلْأَبَاعِدِ. وَقَدْ تُضَمُّ النُّونُ فِي النِّدَاءِ وَالْأَصْلُ الْكَسْرُ. ثُمَّ شَبَّهَ تَعَالَى الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أول [[راجع ج ١ ص ٢١٤ طبعه ثانية.]] السورة.
{"ayah":"وَمَثَلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ كَمَثَلِ ٱلَّذِی یَنۡعِقُ بِمَا لَا یَسۡمَعُ إِلَّا دُعَاۤءࣰ وَنِدَاۤءࣰۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡیࣱ فَهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ"}