الباحث القرآني

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ وَخُزَاعَةَ وَبَنِي مُدْلِجٍ فِيمَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَاللَّفْظِ عَامٌّ. وَالطَّيِّبُ هُنَا الْحَلَالُ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّيِّبِ. وقال الشافعي: الطيب المستلذ، فهو تَنْوِيعٌ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ أَكْلُ الْحَيَوَانِ الْقَذِرِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي "الْأَنْعَامِ" [[راجع ج ٧ ص ١١٥، ٠٠ ٣.]] وَ" الْأَعْرَافِ [[راجع ج ٧ ص ١١٥، ٠٠ ٣.]] "إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حَلالًا طَيِّباً﴾ "حَلَالًا" حَالَ، وَقِيلَ مَفْعُولٌ. وَسُمِّيَ الْحَلَالُ حَلَالًا لِانْحِلَالِ عُقْدَةَ الْخَطَرِ عَنْهُ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: النَّجَاةُ فِي ثَلَاثَةٍ: أَكْلُ الْحَلَالِ، وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّاجِيُّ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ: خَمْسُ خِصَالٍ بِهَا تَمَامُ الْعِلْمِ، وَهِيَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالْعَمَلِ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَكْلُ الْحَلَالِ، فَإِنْ فُقِدَتْ وَاحِدَةً لَمْ يُرْفَعِ الْعَمَلُ. قَالَ سَهْلٌ: وَلَا يَصِحُّ أَكْلُ الْحَلَالِ إِلَّا بِالْعِلْمِ، وَلَا يَكُونُ الْمَالُ حَلَالًا حَتَّى يَصْفُوَ مِنْ سِتِّ خِصَالٍ: الرِّبَا وَالْحَرَامِ وَالسُّحْتِ- وَهُوَ اسْمٌ مُجْمَلٌ- وَالْغُلُولِ وَالْمَكْرُوهِ وَالشُّبْهَةِ. الثالثة- قوله تعالى: "وَلا تَتَّبِعُوا" نَهْيَ "خُطُواتِ الشَّيْطانِ" "خُطُوَاتِ" جَمْعُ خَطْوَةٍ وَخُطْوَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْخُطُوَاتُ جَمْعُ خَطْوَةٍ، بِالْفَتْحِ. وَخُطْوَةٌ (بِالضَّمِّ): مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَجَمْعُ الْقِلَّةِ خَطْوَاتٌ وَخُطُوَاتٌ وَخَطَوَاتٌ، وَالْكَثِيرُ خُطًا. وَالْخَطْوَةُ (بِالْفَتْحِ): الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْجَمْعُ خَطَوَاتٌ (بِالتَّحْرِيكِ) وَخِطَاءٌ، مِثْلُ رَكْوَةٍ وَرِكَاءٍ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: لَهَا وَثَبَاتٌ كَوَثْبِ الظِّبَاءِ ... فؤاد خِطَاءٌ وَوَادٍ مَطَرْ [[يقول: مرة تخطو فتكف عن العدو، ومرة تعدو عدوا يشبه المطر. عن شرح الديوان.]] وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ الْعَدَوِيُّ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ "خَطَوَاتٍ" بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَعْرَجِ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَالْأَعْمَشِ "خُطُؤَاتِ" بِضَمِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ وَالْهَمْزَةِ عَلَى الْوَاوِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَذَهَبُوا بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ خَطِيئَةٍ، مِنَ الْخَطَأِ لَا مِنَ الْخَطْوِ. وَالْمَعْنَى عَلَى قراءة الجمهور: ولا تفقوا أَثَرَ الشَّيْطَانِ وَعَمَلَهُ، وَمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "خُطُواتِ الشَّيْطانِ" أَعْمَالُهُ. مُجَاهِدٌ: خَطَايَاهُ. السُّدِّيُّ: طَاعَتُهُ. أَبُو مِجْلَزٍ: هِيَ النُّذُورُ فِي الْمَعَاصِي. قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا عَدَا السُّنَنَ وَالشَّرَائِعَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي "الشَّيْطَانِ" مُسْتَوْفًى [[تراجع المسألة العاشرة ج ١ ص ٩٠ طبعه ثانية.]]. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ، وَخَبَرُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَأْخُذَ حَذَرَهُ مِنْ هَذَا الْعَدُوِّ الَّذِي قَدْ أَبَانَ عَدَاوَتَهُ مِنْ زَمَنِ آدَمَ، وَبَذَلَ نَفْسَهُ وَعُمْرَهُ فِي إِفْسَادِ أَحْوَالِ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَذَرِ مِنْهُ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: "وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ"، "إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" وَقَالَ:" الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ [[راجع ج ٣ ص ٣٢٨.]] "وَقَالَ:" وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً "وَقَالَ:" إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [[راجع ج ٦ ص ٢٩٢.]] "وَقَالَ:" إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ [[راجع ج ١٣ ص ٢٦١.]] "وَقَالَ:" إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [[راجع ج ١٤ ص ٣٢٣.]] ". وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّحْذِيرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَقَالَ عبد الله ابن عُمَرَ: إِنَّ إِبْلِيسَ مُوثَقٌ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَإِنَّ كُلَّ شَرٍّ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ تَحَرُّكِهِ. وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ وَفِيهِ: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: حديث حسن صحيح غريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب