قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً﴾ "أَنَّ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيْ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ لَنَا رَجْعَةً "فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ" جَوَابُ التَّمَنِّي. وَالْكَرَّةُ: الرَّجْعَةُ وَالْعَوْدَةُ إِلَى حَالٍ قَدْ كَانَتْ، أَيْ قَالَ الْأَتْبَاعُ: لَوْ رُدِدْنَا إِلَى الدُّنْيَا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم "كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا" أي تبرأ كَمَا، فَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى النَّعْتِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، تَقْدِيرُهَا مُتَبَرِّئِينَ، وَالتَّبَرُّؤُ الِانْفِصَالُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ "الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا أَرَاهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أعمالهم. و" يُرِيهِمُ اللَّهُ "قيل: هِيَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ، فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا لِمَفْعُولَيْنِ: الْأَوَّلُ الْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي" يُرِيهِمُ"، وَالثَّانِي "أَعْمالَهُمْ"، وتكون "حَسَراتٍ" حال. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، فَتَكُونُ "حَسَراتٍ" الْمَفْعُولَ الثَّالِثَ. "أَعْمالَهُمْ" قَالَ الرَّبِيعُ: أَيِ الْأَعْمَالُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا فَوَجَبَتْ لَهُمْ بِهَا النَّارُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالسُّدِّيُّ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي تَرَكُوهَا فَفَاتَتْهُمُ الْجَنَّةُ، وَرُوِيَتْ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَحَادِيثُ. قَالَ السُّدِّيُّ: تُرْفَعُ لَهُمُ الْجَنَّةُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى بُيُوتِهِمْ فِيهَا لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ حِينَ يَنْدَمُونَ. وَأُضِيفَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ مَأْمُورُونَ بِهَا، وَأَمَّا إِضَافَةُ الْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ إِلَيْهِمْ فَمِنْ حَيْثُ عَمِلُوهَا. وَالْحَسْرَةُ وَاحِدَةُ الْحَسَرَاتِ، كَتَمْرَةٍ وَتَمَرَاتٍ، وَجَفْنَةٍ وَجَفَنَاتٍ، وَشَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ. هَذَا إِذَا كَانَ اسْمًا، فَإِنْ نَعَتَّهُ سَكَّنْتَ، كقولك: ضخمة وضخمات، وعبلة وعبلات. والحسرة أعلا درجات الندامة على شي فَائِتٍ. وَالتَّحَسُّرُ: التَّلَهُّفُ، يُقَالُ: حَسِرْتُ عَلَيْهِ (بِالْكَسْرِ) أَحْسَرُ حَسَرًا وَحَسْرَةً. وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشَّيْءِ الْحَسِيرِ الَّذِي قَدِ انْقَطَعَ وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ، كَالْبَعِيرِ إِذَا عَيِيَ. وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ حَسَرَ إِذَا كَشَفَ، وَمِنْهُ الْحَاسِرُ فِي الْحَرْبِ: الَّذِي لَا دِرْعَ مَعَهُ. وَالِانْحِسَارُ. الِانْكِشَافُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ دَلِيلٌ عَلَى خُلُودِ الْكُفَّارِ فِيهَا وَأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ". وسيأتي [[راجع ج ٧ ص ٢٠٦.]].
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّاۗ كَذَ ٰلِكَ یُرِیهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ حَسَرَ ٰتٍ عَلَیۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنَ ٱلنَّارِ"}