قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ هَذِهِ "أَمِ" الْمُنْقَطِعَةَ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ بَلْ تُرِيدُونَ، وَمَعْنَى الكلام التوبيخ. "أَنْ تَسْئَلُوا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ "تُرِيدُونَ". "كَمَا سُئِلَ" الكاف في موضع نَصْبِ نَعْتٍ لِمَصْدَرٍ، أَيْ سُؤَالًا كَمَا. وَ "مُوسى " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. "مِنْ قَبْلُ": سُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً، وَسَأَلُوا مُحَمَّدًا أَنْ يَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ: سَأَلُوا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ "كَمَا سِيلَ"، وَهَذَا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: سَلْتُ أَسْأَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَدَلَ الْهَمْزَةِ يَاءٌ سَاكِنَةٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَانْكَسَرَتِ السِّينُ قَبْلَهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: بَدَلُ الْهَمْزَةِ بعيد. والسواء من كل شي: الْوَسَطُ. قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: "فِي سَواءِ الْجَحِيمِ". وَحَكَى عِيسَى بْنُ عُمَرَ قَالَ: مَا زِلْتُ أَكْتُبُ حَتَّى انْقَطَعَ سَوَائِي، وَأَنْشَدَ قَوْلَ حَسَّانَ يَرْثِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:
يَا وَيْحَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ
وَقِيلَ: السَّوَاءُ الْقَصْدُ، عَنِ الْفَرَّاءُ، أَيْ ذَهَبَ عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ وَسَمْتِهِ، أَيْ طَرِيقِ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خُزَيْمَةَ وَوَهْبَ بْنَ زَيْدٍ قَالَا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ائْتِنَا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ نَقْرَؤُهُ، وَفَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا نَتَّبِعْكَ.
{"ayah":"أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُىِٕلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن یَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ"}