الباحث القرآني

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى لِجِبْرِيلَ (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا) قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا خلال بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِجِبْرِيلَ: (مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تزورنا أكثر مما تزرونا) فَنَزَلَتْ: "وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ" الْآيَةَ، قَالَ كَانَ هَذَا الْجَوَابُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَبْطَأَ الْمَلَكُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: (مَا الَّذِي أَبْطَأَكَ) قَالَ: كَيْفَ نَأْتِيكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقُصُّونَ أَظْفَارَكُمْ وَلَا تَأْخُذُونَ مِنْ شَوَارِبِكُمْ، وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ [[الرواجب: ما بين عقد الأصابع من داخل أو مفاصل أصول الأصابع واحدتها راجبة. (]]، وَلَا تَسْتَاكُونَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي هَذَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ سَأَلَهُ قَوْمُهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالرُّوحِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يُجِيبُهُمْ وَرَجَا أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ قَالَ عِكْرِمَةُ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (أبطأت علي حتى سَاءَ ظَنِّي وَاشْتَقْتُ إِلَيْكَ) فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي كُنْتُ أَشْوَقَ وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ إِذَا بُعِثْتُ نَزَلْتُ وَإِذَا حُبِسْتُ احْتَبَسْتُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) وَأُنْزِلَ: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [[راجع ج ٢٠ ص ٩١ فما بعد.]]. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِهَا وَمَا نَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْجِنَانَ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلُ. وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الأقوال قيل: تَكُونُ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِمَا قَبْلَهَا وَالْقُرْآنُ سُوَرٌ ثُمَّ السُّوَرُ تَشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ، وَقَدْ تَنْفَصِلُ جُمْلَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ "وَما نَتَنَزَّلُ" أَيْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ يَا جِبْرِيلُ "وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ". وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّا إِذَا أُمِرْنَا نَزَلْنَا عَلَيْكَ. الثَّانِي- إِذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ نَزَلْنَا عَلَيْكَ فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى [الوجه [[من ب وج وز وط وك وى.]]] الْأَوَّلِ مُتَوَجِّهًا إِلَى النُّزُولِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي متوجها إلى التنزيل. قوله تَعَالَى: (لَهُ) أَيْ لِلَّهِ. (مَا بَيْنَ أَيْدِينا) أَيْ عِلْمُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا (وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَا مَضَى أَمَامَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا يَكُونُ بَعْدَنَا مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِ الْآخِرَةِ. "وَما بَيْنَ ذلِكَ" الْبَرْزَخِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: "لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا" مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ "وَما خَلْفَنا" مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا "وَما بَيْنَ ذلِكَ" مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً. الْأَخْفَشُ: "مَا بَيْنَ أَيْدِينا" مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ نُخْلَقَ "وَما خَلْفَنا" مَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ نَمُوتَ "وَما بَيْنَ ذلِكَ" مَا يَكُونُ مُنْذُ خُلِقْنَا إِلَى أَنْ نَمُوتَ. وَقِيلَ: "مَا بَيْنَ أَيْدِينا" مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ "وَما خَلْفَنا" مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِنَا فِي الدُّنْيَا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) أَيْ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيَحْتَمِلُ خَامِسًا: "مَا بَيْنَ أَيْدِينا" السَّمَاءُ "وَما خَلْفَنا" الْأَرْضُ "وَما بَيْنَ ذلِكَ" أَيْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ "لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا" يُرِيدُ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ "وَما خَلْفَنا" يريد السموات وَهَذَا عَلَى عَكْسِ مَا قَبْلَهُ "وَما بَيْنَ ذلِكَ" يُرِيدُ الْهَوَاءَ ذَكَرَ الْأَوَّلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيُّ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ مَا مَضَى مِنْ أَعْمَارِنَا وَمَا غَبَرَ مِنْهَا وَالْحَالُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا. وَلَمْ يَقُلْ مَا بَيْنَ ذَيْنِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا قَالَ "لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ" [[راجع ج ١ ص ٤٤٨.]] أَيْ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا. (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أَيْ نَاسِيًا إِذَا شَاءَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْكَ أَرْسَلَ وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ يَنْسَكَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْكَ الْوَحْيُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا وَلَا يَنْسَى شَيْئًا مِنْهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما﴾ أَيْ رَبُّهُمَا وَخَالِقُهُمَا وَخَالِقُ مَا بَيْنَهُمَا وَمَالِكُهُمَا وَمَالِكُ مَا بَيْنَهُمَا، فَكَمَا إِلَيْهِ تَدْبِيرُ الْأَزْمَانِ كَذَلِكَ إِلَيْهِ تَدْبِيرُ الْأَعْيَانِ. (فَاعْبُدْهُ) أَيْ وَحِّدُهُ لِذَلِكَ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَاتِ الْخَلْقِ مَفْعُولَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَقِّ وَهُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ لِأَنَّ الرَّبَّ في هذا الموضع لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ إِلَّا عَلَى الْمَالِكِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اكْتِسَابُ الْخَلْقِ وَوَجَبَتْ عِبَادَتُهُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَحَدٌ سِوَى الْمَالِكِ الْمَعْبُودِ. (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أَيْ لِطَاعَتِهِ وَلَا تَحْزَنْ لِتَأْخِيرِ الْوَحْيِ عَنْكَ بَلِ اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ بِهِ. وَأَصْلُ اصْطَبِرِ اصْتَبِرْ فَثَقُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّاءِ وَالصَّادِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَأُبْدِلَ مِنَ التَّاءِ طَاءٌ كَمَا تَقُولُ مِنَ الصَّوْمِ: اصْطَامَ. (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ وَلَدًا أَيْ نَظِيرًا [[في ط الاولى: أي. خطأ.]]، أَوْ مِثْلًا أَوْ شَبِيهًا يَسْتَحِقُّ مِثْلَ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ. وقاله مُجَاهِدٌ. مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُسَامَاةِ. وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ أَحَدًا سُمِّيَ الرَّحْمَنُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَجَلُّ إِسْنَادٍ عَلِمْتُهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَرْفِ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَلَا يُقَالُ الرَّحْمَنُ إِلَّا لِلَّهِ. قُلْتُ وَقَدْ مَضَى هَذَا مبينا في البسملة [[راجع ج ١ ص ١٠٣ فما بعد.]]. والحمد لِلَّهِ. رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) قَالَ: مِثْلًا. ابْنُ الْمُسَيَّبُ: عِدْلًا. قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا يُسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى غَيْرَ اللَّهِ أَوْ يُقَالُ لَهُ اللَّهُ إِلَّا اللَّهُ وَهَلْ بِمَعْنَى لَا، أي لا تعلم. والله تعالى أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب