الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذكرناه عيسى بن مَرْيَمَ فَكَذَلِكَ اعْتَقِدُوهُ، لَا كَمَا تَقُولُ الْيَهُودُ إِنَّهُ لِغَيْرِ رَشْدَةٍ، وَأَنَّهُ ابْنُ يُوسُفَ النَّجَّارِ، وَلَا كَمَا قَالَتِ النَّصَارَى: إِنَّهُ الْإِلَهُ أَوِ ابْنُ الْإِلَهِ.
(قَوْلَ الْحَقِّ) قَالَ الْكِسَائِيُّ: "قَوْلَ الْحَقِّ" نَعْتٌ لِعِيسَى أَيْ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ] قَوْلَ الْحَقِّ [[[زيادة يقتضيها المقام.]]. وَسُمِّيَ قَوْلَ الْحَقَّ كَمَا سُمِّيَ كَلِمَةَ اللَّهِ، وَالْحَقُّ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْمَعْنَى هُوَ قَوْلُ الْحَقِّ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ هَذَا الْكَلَامُ قَوْلُ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (يُرِيدُ هَذَا كَلَامُ عِيسَى] ابْنِ مَرْيَمَ [[[من ج وك.]] ﷺ قَوْلُ الْحَقِّ لَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَأُضِيفَ الْقَوْلُ إِلَى الْحَقِّ كَمَا قَالَ:) وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ([[راجع ج ١٦ ص ١٩٥ فما بعد.]] [الأحقاف: ١٦] أي الوعد والصدق. وقال: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ ١٠﴾[[راجع ج ١٠ ص ١٠٠ فما بعد.]] [الانعام: ٣٢] أَيْ وَلَا الدَّارُ الْآخِرَةُ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ "قَوْلَ الْحَقِّ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ أَقُولُ قَوْلًا حَقًّا. وَالْعَامِلُ مَعْنَى الْإِشَارَةِ فِي (ذلِكَ). الزَّجَّاجُ: هُوَ مَصْدَرٌ أَيْ أَقُولُ قَوْلَ الْحَقِّ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَدْحٌ. وَقِيلَ: إِغْرَاءٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: "قَالَ الْحَقَّ". وَقَرَأَ الْحَسَنُ: "قُولُ الْحَقِّ" بضم القاف، وكذلك في "الانعام" [[راجع ج ٧ ص ١٧ فما بعد.]] "قَوْلَ الْحَقِّ". وَالْقَوْلُ وَالْقَالُ وَالْقُولُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَالرَّهْبِ وَالرَّهَبِ وَالرُّهْبِ.
(الَّذِي) مِنْ نَعْتِ عِيسَى.
(فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي يشكون، أي ذلك عيسى بن مَرْيَمَ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ الْقَوْلَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: "يَمْتَرُونَ" يَخْتَلِفُونَ. ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) قَالَ: اجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، أَخْرَجَ كُلُّ قَوْمٍ عَالِمَهُمْ فَامْتَرَوْا فِي عِيسَى حِينَ رُفِعَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هُوَ اللَّهُ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ فَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ، ثُمَّ صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ. فَقَالَتِ الثَّلَاثَةُ: كَذَبْتَ. ثُمَّ قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ: قُلْ فِيهِ، قَالَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ وَهُمُ النُّسْطُورِيَّةُ، فَقَالَ الِاثْنَانِ كَذَبْتَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ قُلْ فِيهِ، فَقَالَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، اللَّهُ إِلَهٌ وَهُوَ إِلَهٌ، وَأُمُّهُ إِلَهٌ، وَهُمُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ مُلُوكُ النَّصَارَى. قَالَ الرَّابِعُ: كَذَبْتَ بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَتْبَاعٌ- عَلَى مَا قَالَ- فَاقْتَتَلُوا فَظُهِرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ [[راجع ج ٤ ص ٤٦.]] مِنَ النَّاسِ) [آل عمران: ٢١]. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) اخْتَلَفُوا فِيهِ فصاروا أحزابا فهذا معنى قوله (الَّذِي فِيهِ تَمْتَرُونَ) بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ فَوْقٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَرَّ بِمَرْيَمَ ابْنُ عَمِّهَا وَمَعَهَا ابْنُهَا إِلَى مِصْرَ فَكَانُوا فِيهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى مَاتَ الْمَلِكُ الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ فِيمَا رَأَيْتُ وَجَاءَ فِي الْإِنْجِيلِ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّيِّدَ الْمَسِيحَ لَمَّا وُلِدَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ كَانَ هِيرُودِسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَلِكًا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى يُوسُفَ النَّجَّارِ فِي الْحُلْمِ وَقَالَ لَهُ: قُمْ فَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى مِصْرَ وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ، فَإِنَّ هِيرُودِسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ عِيسَى لِيُهْلِكَهُ فَقَامَ مِنْ نَوْمِهِ: وَامْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهِ وَأَخَذَ السَّيِّدَ الْمَسِيحَ وَمَرْيَمَ أُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى مِصْرَ، وَفِي حَالِ مَجِيئِهِ إِلَى مِصْرَ نَزَلَ بِبِئْرِ الْبَلَسَانِ الَّتِي بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ [[بضاحية المطرية.]]، وَغَسَلَتْ ثِيَابَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبِئْرَ فَالْبَلَسَانُ لَا يَطْلُعُ وَلَا يَنْبُتُ إِلَّا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ [[في ك: ذلك المكان.]]، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الدُّهْنُ الَّذِي يُخَالِطُ الزَّيْتَ الَّذِي تُعَمَّدُ بِهِ النَّصَارَى وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَارُورَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَيَّامِ الْمِصْرِيِّينَ لَهَا مِقْدَارٌ عَظِيمٌ، وَتَقَعُ فِي نُفُوسِ مُلُوكِ النَّصَارَى مِثْلَ مَلِكِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَمَلِكِ صِقِلِّيَةَ وَمَلِكِ الْحَبَشَةِ وَمَلِكِ النُّوبَةِ وَمَلِكِ الْفِرِنْجَةِ وغيرهم من الملوك عند ما يُهَادِيهِمْ بِهِ مُلُوكُ مِصْرَ مَوْقِعًا جَلِيلًا جِدًّا وَتَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ هَدِيَّةٍ لَهَا قَدْرٌ. وَفِي تِلْكَ السَّفْرَةِ وَصَلَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ إِلَى مَدِينَةِ الْأُشْمُونَيْنِ [[الأشمونين: إحدى قرى مركز ملوي.]] وَقَسْقَامَ [[قسقام: هي القوصية الآن إحدى قرى مركز منفلوط.]] الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ بِالْمُحَرَّقَةِ [[المحرقة: وتعرف اليوم بالدير المحرق بمركز منفلوط.]] فَلِذَلِكَ يُعَظِّمُهَا النَّصَارَى إِلَى الْآنَ، وَيَحْضُرُونَ إِلَيْهَا فِي عِيدِ الْفِصْحِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، لِأَنَّهَا نِهَايَةُ مَا وَصَلَ إِلَيْهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَمِنْهَا عَادَ إِلَى الشَّامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا كانَ لِلَّهِ﴾ أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُ وَلَا يَجُوزُ: (أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) "مِنْ" صِلَةٌ لِلْكَلَامِ، أَيْ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا. وَ "أَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعِ اسْمِ "كانَ" أَيْ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، أَيْ مَا كَانَ مِنْ صِفَتِهِ اتِّخَاذُ الْوَلَدِ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ تَعَالَى عَنْ مَقَالَتِهِمْ فَقَالَ: (سُبْحانَهُ) أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.
(إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) تَقَدَّمَ في (البقرة) [[راجع ج ٢ ص ٨٧ فما بعد.]] مستوفى.
(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: بِفَتْحِ "أَنَّ" وَأَهْلُ الْكُوفَةِ "وَإِنَّ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ. تَدُلُّ عليه قراءة أبي "كن فيكون. إن اللَّهَ" بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى "قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ٣٠". وَفِي الْفَتْحِ أَقْوَالٌ: فَمَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، وَكَذَا" وَأَنَّ الْمَساجِدَ [[راجع ج ١٩ ص ١٩]] لِلَّهِ "فَ"- أَنَّ "فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عِنْدَهُمَا. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ، وأجاز أن يكون أيضا في موضع خَفْضٍ بِمَعْنَى وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِمَعْنَى، وَالْأَمْرُ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ. وَفِيهَا قَوْلٌ خَامِسٌ: حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ قَالَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَقَضَى أَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:" أَمْراً "مِنْ قَوْلِهِ:" إِذا قَضى أَمْراً "وَالْمَعْنَى إِذَا قَضَى أَمْرًا وَقَضَى أَنَّ اللَّهَ. وَلَا يُبْتَدَأُ بِ"- أَنَّ" عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَلَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ. وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا عَلَى الْأَوْجُهِ الْبَاقِيَةِ.
(فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أَيْ دِينٌ قَوِيمٌ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ "مِنْ" زَائِدَةٌ أَيِ اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مَا بَيْنَهُمْ فَاخْتَلَفَتِ الْفِرَقُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَمْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَالْيَهُودُ بِالْقَدْحِ وَالسِّحْرِ. وَالنَّصَارَى قَالَتِ النُّسْطُورِيَّةُ مِنْهُمْ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ. وَالْمَلْكَانِيَّةُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: هُوَ اللَّهُ، فَأَفْرَطَتِ النَّصَارَى وَغَلَتْ، وَفَرَّطَتِ الْيَهُودُ وَقَصَّرَتْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "النِّسَاءِ" [[راجع ج ٦ ص ٢١ فما بعد وص ٣٧٤ فما بعد.]]. وَقَالَ ابْنُ عباس: المراد من بالأحزاب الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَكَذَّبُوهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أَيْ مِنْ شُهُودِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمَشْهَدُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُضُورُ لَهُمْ، وَيُضَافَ إِلَى الظَّرْفِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ، كَمَا يُقَالُ: وَيْلٌ لِفُلَانٍ مِنْ قِتَالِ يَوْمِ كَذَا، أَيْ مِنْ حُضُورِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَقِيلَ: الْمَشْهَدُ بِمَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَشْهَدُهُ الْخَلَائِقُ، كَالْمَحْشَرِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْشَرُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ. وَقِيلَ: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ حُضُورِهِمُ الْمَشْهَدَ الْعَظِيمَ الَّذِي اجْتَمَعُوا فِيهِ لِلتَّشَاوُرِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا﴾ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَذَا فِي مَوْضِعِ التَّعَجُّبِ، فَتَقُولُ: أَسْمِعْ بِزَيْدٍ وَأَبْصِرْ بِزَيْدٍ أَيْ مَا أَسْمَعَهُ وَأَبْصَرَهُ. قَالَ: فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَجَّبَ نَبِيَّهُ مِنْهُمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا أَحَدَ أَسْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا أَبْصَرُ، حِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعِيسَى: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦١]. وقيل: "أَسْمِعْ" بِمَعْنَى الطَّاعَةِ، أَيْ مَا أَطْوَعَهُمْ لِلَّهِ فِي ذلك اليوم. و (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا.
(فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وَأَيُّ ضَلَالٍ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمَرْءُ فِي شَخْصٍ مِثْلِهِ حَمَلَتْهُ الْأَرْحَامُ، وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَأَحْدَثَ وَاحْتَاجَ أَنَّهُ إِلَهٌ؟! وَمَنْ هَذَا وَصْفُهُ أَصَمُّ أَعْمَى وَلَكِنَّهُ سَيُبْصِرُ وَيَسْمَعُ في الآخرة إذا رأى العذب، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا وَلَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ فَيَتَحَسَّرُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تَقَعُ الْحَسْرَةُ إِذَا أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ. "إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ" أَيْ فُرِغَ مِنَ الْحِسَابِ، وَأُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ [[الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده وقيل النفي البياض.]] فيوقف بين الجنة والنار فيقال يأهل الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هذا الموت- قال- ثم يقال يأهل النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ- قَالَ- فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثم يقال يأهل الجنة خلود فلا موت ويأهل النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ- ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ- "وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ "التَّذْكِرَةِ" وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَلَّدُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْآيِ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ صِفَةَ الْغَضَبِ تَنْقَطِعُ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْكَفَرَةِ كَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأَشْبَاهِهِمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها﴾ ٤٠ أَيْ نُمِيتُ سُكَّانَهَا فَنَرِثُهَا.
(وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ٤٠ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "الْحِجْرِ" [[راجع ج ١٠ ص ١٨ فما بعد.]] وَغَيْرِهَا.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِی فِیهِ یَمۡتَرُونَ","مَا كَانَ لِلَّهِ أَن یَتَّخِذَ مِن وَلَدࣲۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤۚ إِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ","وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ","فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَیۡنِهِمۡۖ فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن مَّشۡهَدِ یَوۡمٍ عَظِیمٍ","أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ یَوۡمَ یَأۡتُونَنَاۖ لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلۡیَوۡمَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","وَأَنذِرۡهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ وَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَیۡهَا وَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ"],"ayah":"وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق