الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ "الْحَقُّ" رُفِعَ عَلَى خَبَرِ الِابْتِدَاءِ الْمُضْمَرِ، أَيْ قُلْ هُوَ الْحَقُّ. وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ في قوله: "مِنْ رَبِّكُمْ". وَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِنَا: أَيُّهَا النَّاسُ! مِنْ رَبِّكُمُ الْحَقُّ فَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ، وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُؤْمِنُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَكْفُرُ، لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذلك شي، فَاللَّهُ يُؤْتِي الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَيَحْرِمُهُ مَنْ يَشَاءُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا غَنِيًّا، وَلَسْتُ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا. وَلَيْسَ هَذَا بِتَرْخِيصٍ وَتَخْيِيرٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمُ النار، وإن آمنتم فلكم الجنة. قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنا) أَيْ أَعْدَدْنَا. (لِلظَّالِمِينَ) أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ. (نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السُّرَادِقُ وَاحِدُ السُّرَادِقَاتِ الَّتِي تُمَدُّ فَوْقَ صَحْنِ الدَّارِ. وَكُلُّ بَيْتٍ مِنْ كُرْسُفٍ [[الكرفس: القطن.]] فَهُوَ سُرَادِقٌ. قَالَ رُؤْبَةُ [[كذا في الأصل واللسان، واستدرك عليه صاحب اللسان بأنه الكذب الحرمازي، وتابعه على هذا سيبويه والأعلم الشنتمرى. مدح الراجز أحد بنى المنذر بن الجارود العبدى، وحكم هذا أحد ولاة البصرة لهشام بن عبد الملك. وسمي جده الجارود لأنه أعار على قوم فاكتسح أموالهم: فشبه بالسيل الذي يجرد ما مر به.]]: يَا حَكَمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ ... سُرَادِقُ الْمَجْدِ عَلَيْكَ مَمْدُودُ يُقَالُ: بَيْتٌ مُسَرْدَقٌ. وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ يَذْكُرُ أَبْرَوِيزَ [[بفتح الواو وكسرها، ملك من ملوك الفرس.]] وَقَتْلَهُ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ تَحْتَ أَرْجُلِ الْفِيَلَةِ: هُوَ الْمُدْخِلُ النُّعْمَانَ بَيْتًا سَمَاؤُهُ ... صُدُورُ الْفُيُولُ بَعْدَ بَيْتٍ مُسَرْدَقِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: "سُرادِقُها" سُورُهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَائِطٌ مِنْ نَارٍ. الْكَلْبِيُّ: عُنُقٌ تَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَتُحِيطُ بِالْكُفَّارِ كَالْحَظِيرَةِ. الْقُتَبِيُّ: السُّرَادِقُ الْحُجْزَةُ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الفسطاط. وقال ابْنُ عُزَيْزٍ. وَقِيلَ: هُوَ دُخَانٌ يُحِيطُ بِالْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ "وَالْمُرْسَلَاتِ". حَيْثُ يَقُولُ:" انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [[راجع ج ١٩ ص ١٦٠.]] "وَقَوْلُهُ:" وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [[راجع ج ١٧ ص ٢١٢.]] "قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْبَحْرُ الْمُحِيطُ بِالدُّنْيَا. وَرَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:" الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ- ثُمَّ تَلَا- نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سرادقها"- ثم قال- والله لا أدخلها أبدا دُمْتُ حَيًّا وَلَا يُصِيبُنِي مِنْهَا قَطْرَةٌ "ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَخَرَّجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:" لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعُ جُدُرٍ كُثُفٍ [[الكثف: جمع كثيف، وهو الثخين الغليظ.]] كُلُّ جِدَارٍ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً". وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّرَادِقَ مَا يَعْلُو الْكُفَّارَ مِنْ دُخَانٍ أَوْ نَارٍ، وَجُدُرُهُ مَا وُصِفَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهْلُ مَاءٌ غَلِيظٌ مِثْلُ دُرْدِيِّ [[الدردي (بالضم): ما يبقى في الأسفل.]] الزَّيْتِ. مُجَاهِدٌ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ. الضَّحَّاكُ: مَاءٌ أَسْوَدُ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَسَوْدَاءُ، وَمَاؤُهَا أَسْوَدُ وَشَجَرهَا أَسْوَدُ وَأَهْلُهَا سُودٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ كُلُّ مَا أُذِيبَ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ مِنْ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ ونحاس وقصدير، فَتَمُوجُ بِالْغَلَيَانِ، فَذَلِكَ الْمُهْلُ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ. وَقَالَ: الْمُهْلُ ضَرْبٌ مِنَ القطران، يقال: مهلت البعير فهو ممهول. وفيل: هُوَ السُّمُّ. وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبٌ. وَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ "كَالْمُهْلِ" قَالَ: "كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ" قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ وَرِشْدِينُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قوله:" وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ [[راجع ج ٩ ص ٥١ ٣.]] "قَالَ:" يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ إذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى" وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [[راجع ج ١٦ ص ٢٣٦.]] "يَقُولُ" وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً "قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، وَأَنَّهَا مُرَادَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهَا أَهْلُ اللُّغَةِ. فِي الصِّحَاحِ" الْمُهْلُ" النحاس المذاب. ابن الاعرابي: المهل لمذاب من الرَّصَاصِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو. الْمُهْلُ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ. وَالْمُهْلُ أَيْضًا الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: ادْفِنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ والتراب. (مُرْتَفَقاً) قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ مُجْتَمِعًا، كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى مَعْنَى الْمُرَافَقَةِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا. عَطَاءٌ: مَقَرًّا. وَقِيلَ مِهَادًا. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: مَجْلِسًا، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُتَّكَأِ، يُقَالُ مِنْهُ: ارْتَفَقْتُ أَيِ اتَّكَأْتُ عَلَى الْمَرْفِقِ. قَالَ الشَّاعِرُ: قَالَتْ لَهُ وَارْتَفَقَتْ أَلَا فَتًى ... يَسُوقُ بِالْقَوْمِ غَزَالَاتِ الضحا [[غزالة الضحى وغزالاته: بعد ما تنبسط الشمس وتضحى. وقيل: هو أول الضحا إلى مد النهار الأكبر حتى يمضى من النهار نحو من خمسه.]] وَيُقَالُ: ارْتَفَقَ الرَّجُلُ إِذَا نَامَ عَلَى مَرْفِقِهِ لَا يَأْتِيهِ نَوْمٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ: نَامَ الْخَلِيُّ وَبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقَا [[رواية الديوان: "مشتجرا" والمشتجر: الذي قد شجر نفسه ووضع يده تحت شجرة على حنكه أو على فمه. والشجر: ما بين اللحيين. ومذبوح،. شقوق.]] ... كَأَنَّ عَيْنِيَ فِيهَا الصَّابُ مَدْبُوحٌ الصَّابُ: عُصَارَةُ شَجَرٍ مُرٍّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب