الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمْ وَأَظْهَرْنَاهُمْ. وَ "أَعْثَرَ" تَعْدِيَةُ عَثَرَ بِالْهَمْزَةِ، وَأَصْلُ الْعِثَارِ فِي الْقَدَمِ. (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) يَعْنِي الْأُمَّةَ الْمُسْلِمَةَ الَّذِينَ بُعِثَ أَهْلُ الْكَهْفِ عَلَى عَهْدِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ دِقْيَانُوسَ مَاتَ وَمَضَتْ قُرُونٌ وَمَلَكَ أَهْلَ تِلْكَ الدَّارِ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ بَلَدِهِ فِي الْحَشْرِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ مِنَ الْقُبُورِ، فَشَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَاسْتَبْعَدُوهُ وَقَالُوا: إِنَّمَا تُحْشَرُ الْأَرْوَاحُ وَالْجَسَدُ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُبْعَثُ الرُّوحُ وَالْجَسَدُ جَمِيعًا، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِكِ وَبَقِيَ حَيْرَانَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَتَبَيَّنُ أَمْرَهُ لَهُمْ، حَتَّى لَبِسَ الْمُسُوحَ وَقَعَدَ عَلَى الرَّمَادِ وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حُجَّةٍ وَبَيَانٍ، فَأَعْثَرَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكَهْفِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمَّا بَعَثُوا أَحَدَهُمْ بِوَرِقِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَأْتِيَهُمْ بِرِزْقٍ مِنْهَا اسْتُنْكِرَ شَخْصُهُ وَاسْتُنْكِرَتْ دَرَاهِمُهُ [[في ج: ورقة.]] لِبُعْدِ الْعَهْدِ، فَحُمِلَ إِلَى الْمَلِكِ وَكَانَ صَالِحًا قَدْ آمَنَ مَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: لَعَلَّ هَذَا مِنَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَهْدِ دِقْيَانُوسَ الْمَلِكِ، فَقَدْ كُنْتُ أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِيهِمْ، وَسَأَلَ الْفَتَى فَأَخْبَرَهُ، فَسُرَّ الْمَلِكُ بِذَلِكَ وَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ آيَةً، فَلْنَسِرْ إِلَى الْكَهْفِ معه، فركب أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا دَنَوْا إِلَى الْكَهْفِ قال تمليحا: أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَرْعَبُوا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَأَعْلَمَهُمُ الْأَمْرَ وَأَنَّ الْأُمَّةَ أُمَّةُ إِسْلَامٍ، فَرُوِيَ أَنَّهُمْ سُرُّوا بِذَلِكَ وَخَرَجُوا إِلَى الْمَلِكِ وَعَظَّمُوهُ وَعَظَّمَهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى كَهْفِهِمْ. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُمْ مَاتُوا حِينَ حَدَّثَهُمْ تمليخا مَيْتَةَ الْحَقِّ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَرَجَعَ مَنْ كَانَ شَكَّ فِي بَعْثِ الْأَجْسَادِ إِلَى الْيَقِينِ. فَهَذَا مَعْنَى "أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ. لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ" أَيْ لِيَعْلَمَ الْمَلِكُ وَرَعِيَّتُهُ أَنَّ الْقِيَامَةَ حَقٌّ وَالْبَعْثَ حَقٌّ "إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ". وَإِنَّمَا اسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ الْوَاحِدِ عَلَى خَبَرِهِمْ وَهَابُوا الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ الْمَلِكُ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا، فَقَالَ الَّذِينَ. هُمْ عَلَى دِينِ الْفِتْيَةِ: اتَّخِذُوا عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَرُوِيَ أَنَّ طَائِفَةً كَافِرَةً قَالَتْ: نَبْنِي بِيعَةً أَوْ مَضِيفًا [[في ج ووحاشية الجمل عن القرطبي: مصنعا.]]، فَمَانَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْقَوْمِ ذَهَبَ إِلَى طَمْسِ الْكَهْفِ عَلَيْهِمْ وَتَرَكِهِمْ فِيهِ مُغَيَّبِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [[في ج: "عن عبيد بن عمير".]] بْنِ عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْمَى عَلَى النَّاسِ حِينَئِذٍ أثرهم وحجبهم عنهم، فذلك دعا [الملك [[من الجمل عن المصنف.]]] إِلَى بِنَاءِ الْبُنْيَانِ لِيَكُونَ مَعْلَمًا لَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَدْفِنَهُمْ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَاهُ آتٍ مِنْهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَنَا فِي صُنْدُوقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَا تَفْعَلُ، فَإِنَّا مِنَ التُّرَابِ خُلِقْنَا وَإِلَيْهِ نَعُودُ، فَدَعْنَا. وَتَنْشَأُ هُنَا مَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ وَجَائِزَةٌ، فَاتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّنَّةُ مِنَ النَّهْيِ عَنْهُ مَمْنُوعٌ لَا يَجُوزُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الصَّحِيحَانِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن أولئك ذا كان فيهم الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ". لَفْظُ مُسْلِمٍ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا يُحَرِّمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ مَسَاجِدَ. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا" لَفْظُ مُسْلِمٍ أَيْ لَا تَتَّخِذُوهَا قِبْلَةً فَتُصَلُّوا عَلَيْهَا أَوْ إِلَيْهَا كَمَا فَعَلَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَيُؤَدِّي إِلَى عِبَادَةِ مَنْ فِيهَا كَمَا كَانَ السَّبَبُ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. فَحَذَّرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَسَدَّ الذَّرَائِعَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ". وَرَوَى الصَّحِيحَانِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ [[قوله: "إذا أغتم" أي تسخن بالخميصة واخذ بنفسه من شدة الحر.]] بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ [[أي في حالة الطرح والكشف.]]: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا [[أي يحذر أمته أن يصنعوا بقبره مثل صنيع اليهود بقبور أنبيائهم.]]. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٌ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ جَابِرٌ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَّى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ [[قوله "ألا" بتشديد اللام التحضيض. وقيل: بفتحها للتنبيه.]] عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ- فِي رِوَايَةٍ- وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: ظَاهِرُهُ مَنْعُ تَسْنِيمِ الْقُبُورِ وَرَفْعِهَا وَأَنْ تَكُونَ لَاطِئَةً» . وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ هَذَا الِارْتِفَاعَ الْمَأْمُورَ بِإِزَالَتِهِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى التَّسْنِيمِ، وَيَبْقَى لِلْقَبْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُحْتَرَمُ، وَذَلِكَ صِفَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَلَى مَا ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ- وَقَبْرِ أَبِينَا آدَمَ ﷺ، عَلَى مَا رواه الدارقطني من حديث ابن عباس. وأما ثعلبة الْبِنَاءِ الْكَثِيرِ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا فَذَلِكَ يُهْدَمُ وَيُزَالُ، فَإِنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالُ زِينَةِ الدُّنْيَا فِي أَوَّلِ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، وَتَشَبُّهًا بِمَنْ كَانَ يُعَظِّمُ الْقُبُورَ وَيَعْبُدُهَا. وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَظَاهِرِ النَّهْيِ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ حَرَامٌ. وَالتَّسْنِيمُ فِي الْقَبْرِ: ارْتِفَاعُهُ قَدْرَ شِبْرٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَنَامِ الْبَعِيرِ. وَيُرَشُّ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَنْتَثِرَ بِالرِّيحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يُطَيَّنَ الْقَبْرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجَصَّصُ الْقَبْرُ وَلَا يُطَيَّنُ وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ فَيَسْقُطَ. وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ لِتَكُونَ عَلَامَةً، لِمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَزُورُ قَبْرَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كُلَّ جُمْعَةٍ وَعَلَّمَتْهُ بِصَخْرَةٍ، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ. وَأَمَّا الْجَائِزَةُ- فَالدَّفْنُ فِي التَّابُوتِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا سِيَّمَا فِي الْأَرْضِ الرِّخْوَةِ. رُوِيَ أَنَّ دَانْيَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ فِي تَابُوتٍ مِنْ حَجَرٍ، وَأَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْصَى بِأَنْ يُتَّخَذَ لَهُ تَابُوتٌ مِنْ زُجَاجٍ وَيُلْقَى فِي رَكِيَّةٍ [[الركية البئر.]] مَخَافَةَ أَنْ يُعْبَدَ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى زَمَانِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَدَلَّتْهُ عَلَيْهِ عَجُوزٌ فَرَفَعَهُ وَوَضَعَهُ فِي حَظِيرَةِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السلام. وفى الصحيح عن سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: اتَّخِذُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. اللَّحْدُ: هُوَ أَنْ يُشَقَّ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُحْفَرُ قَبْرٌ آخَرُ فِي جَانِبِ الشَّقِّ مِنْ جَانِبِ الْقِبْلَةِ إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ صُلْبَةً يُدْخَلُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَيُسَدُّ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ. وَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدِنَا مِنَ الشَّقِّ، لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: السُّنَّةُ اللَّحْدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الشَّقُّ. وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ فِي اللَّحْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْحَجَرِ. وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، لِأَنَّ الْآجُرَّ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ، وَالْقَبْرُ وَمَا فِيهِ لِلْبِلَى، فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْإِحْكَامُ. وَعَلَى هَذَا يُسَوَّى بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآجُرَّ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا، فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْآجُرِّ. قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ حُزْمَةً مِنْ قصب. وحكى عن الشيخ الامام أبو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَنَفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَوَّزَ اتِّخَاذَ التَّابُوتِ فِي بِلَادِهِمْ لِرِخَاوَةِ الْأَرْضِ. وَقَالَ: لَوِ اتُّخِذَ تَابُوتٌ مِنْ حَدِيدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ وَتُطَيَّنَ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ، وَيُجْعَلُ اللَّبِنُ الْخَفِيفُ عَلَى يَمِينِ الْمَيِّتِ وَيَسَارِهِ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْدِ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى جَعْلُ الْقَطِيفَةِ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ سَبِخَةٌ [[أرض سبخة: ذات ملح ونز.]]، قَالَ شُقْرَانُ: أَنَا وَاللَّهِ طَرَحْتُ الْقَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ شُقْرَانَ حَدِيثٌ حسن [صحيح [[من ج.]]] غريب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب