الباحث القرآني

قَوْلُهُ تعالى: (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ) الْبَعْثُ: التَّحْرِيكُ عَنْ سُكُونٍ. وَالْمَعْنَى: كَمَا ضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَقَلَّبْنَاهُمْ بَعَثْنَاهُمْ أَيْضًا، أَيْ أَيْقَظْنَاهُمْ مِنْ نَوْمِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِمْ مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَفَتَيَانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِسُحْرَةٍ ... فَقَامُوا جَمِيعًا بَيْنَ عَاثٍ وَنَشْوَانِ [[البيت لامرى القيس. والسحرة (بالضم): السحرة وقيل: أعلى السحر. وقيل: هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر.]] أَيْ أَيْقَظْتُ واللام في قوله "لِيَتَسائَلُوا" لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ، كَقَوْلِهِ "لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً" فبعثهم لم سكن لأجل تساؤلهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوهُ غَدْوَةً وَبَعَثَهُمُ اللَّهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، فَقَالَ رَئِيسُهُمْ يمليخا أَوْ مكسلمينا: اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُدَّةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ وَرِقُهُمْ كَأَخْفَافِ الرُّبَعِ [[الربع (كمضر): الفصيل ينتج في الربيع.]]، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ "بِوَرِقِكُمْ" بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ "بِوَرْقِكُمْ" بِسُكُونِ الرَّاءِ، حَذَفُوا الْكَسْرَةَ لِثِقَلِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقَرَأَ الزَّجَّاجُ "بِوِرْقِكُمْ" بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَيُرْوَى أَنَّهُمُ انْتَبَهُوا جِيَاعًا، وَأَنَّ الْمَبْعُوثَ هُوَ يمليخا، كَانَ أَصْغَرَهُمْ، فِيمَا ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ. وَالْمَدِينَةُ: أَفْسُوسُ وَيُقَالُ هِيَ طَرَسُوسُ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفْسُوسُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَمَّوْهَا طَرَسُوسَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ مَعَهُمْ دَرَاهِمُ عَلَيْهَا صُورَةُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِمْ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَلَّ ذَبِيحَةً، لِأَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَى اسْمِ الصَّنَمِ: وَكَانَ فِيهِمْ قَوْمٌ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَامَّتُهُمْ مَجُوسًا. وَقِيلَ: "أَزْكى طَعاماً" أَيْ أَكْثَرَ بَرَكَةً. قِيلَ: إِنَّهُمْ أَمَرُوهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِذَا طُبِخَ كَفَى جَمَاعَةً، وَلِهَذَا قِيلَ: ذَلِكَ الطَّعَامُ الْأَرُزُّ. وَقِيلَ: "كَانَ زَبِيبًا. وَقِيلَ: تَمْرًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ:" أَزْكى " أَطْيَبُ. وَقِيلَ: أَرْخَصُ. (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أَيْ بِقُوتٍ. (وَلْيَتَلَطَّفْ) أَيْ فِي دُخُولِ الْمَدِينَةِ وَشِرَاءِ الطَّعَامِ. (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أَيْ لَا يُخْبِرَنَّ. وَقِيلَ: إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَلَا يُوقِعَنَّ إِخْوَانَهُ فِيمَا وَقَعَ فيه. (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ) قال الزجاج: معناه بالحجارة، وهو أخبت الْقَتْلِ. وَقِيلَ: يَرْمُوكُمْ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى قَتْلِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَصَصِهِمْ. وَالرَّجْمُ فِيمَا سَلَفَ هِيَ كَانَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ [عُقُوبَةُ [[زيادة يقتضيها السياق.]]] مُخَالَفَةِ دِينِ النَّاسِ، إِذْ هِيَ أَشْفَى لِجُمْلَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الدين من حيث إنهم يشتركون فيها. الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْبَعْثَةِ بِالْوَرِقِ دَلِيلٌ عَلَى الْوِكَالَةِ وَصِحَّتِهَا. وَقَدْ وَكَّلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخَاهُ عَقِيلًا عِنْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَالْوَكَالَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَلَا تَرَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ وَكَّلَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بِأَهْلِهِ وَحَاشِيَتِهِ بِمَكَّةَ، أَيْ يَحْفَظُهُمْ، وَأُمَيَّةُ مُشْرِكٌ، وَالْتَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأُمَيَّةَ مِنْ حِفْظِ حَاشِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ مِثْلَ ذَلِكَ مُجَازَاةً لِصُنْعِهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظُهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ، قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: صَاغِيَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ وَيَأْتُونَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَغَا يَصْغُو وَيَصْغَى إِذَا مَالَ، وَكُلُّ مَائِلٍ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ مَعَهُ فَقَدْ صَغَا إِلَيْهِ وَأَصْغَى، مِنْ كِتَابِ الْأَفْعَالِ. الرَّابِعَةُ- الْوَكَالَةُ عَقْدُ نِيَابَةٍ، أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِ أُمُورِهِ إلا بمعونة من غيره أو يترفه فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُرِيحُهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى صِحَّتِهَا بِآيَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ، مِنْهَا هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْعامِلِينَ عَلَيْها [[راجع ج ٨ ص ١٧٧.]] "وَقَوْلُهُ" اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا [[راجع ج ٩ ص ٢٥٨.]] ". وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ فَأَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الانعام [[راجع ج ٧ ص ١٥٦.]]. روى جبر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: (إِذَا أَتَيْتُ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ [[الترقوة: العظم الذي بين ثغره النحر والعاتق.]] " خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. والأحاديث كثيرة في هذه الْمَعْنَى، وَفِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِهَا كِفَايَةٌ. الْخَامِسَةُ- الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، فَلَوْ وَكَّلَ الْغَاصِبَ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ هُوَ الْوَكِيلُ، لِأَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ فِعْلُهُ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ. السَّادِسَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْوَكَالَةَ إِنَّمَا كانت مع التقية خوف أن يشعر بعم أَحَدٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى أنفسهم. وجواز توكيل ذوى العذر متفق عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَحْنُونُ: لَا تَجُوزُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَكَأَنَّ سَحْنُونَ تَلَقَّفَهُ مِنْ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ فَحَكَمَ بِهِ أَيَّامَ قَضَائِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الظُّلْمِ وَالْجَبَرُوتِ، إِنْصَافًا مِنْهُمْ وَإِذْلَالًا لَهُمْ، وَهُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ مَعُونَةٌ وَلَا تَكُونُ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ. قُلْتُ: هَذَا حَسَنٌ، فَأَمَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَلَهُمْ أَنْ يُوَكِّلُوا وَإِنْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ لِلشَّاهِدِ الصَّحِيحِ مَا خَرَّجَهُ الصَّحِيحَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: "أَعْطُوهُ" فَطَلَبُوا لَهُ سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ" فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ لَكَ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ عَلَى جَوَازِ تَوْكِيلِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ الْبَدَنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُعْطُوا عَنْهُ السِّنَّ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ تَوْكِيدٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ مَرِيضًا وَلَا مُسَافِرًا. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ الْبَدَنِ إِلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ خِلَافُ قَوْلِهِمَا. السَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْوَرِقَ كَانَ لِجَمِيعِهِمْ وَتَضَمَّنَتْ جَوَازَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمْ بَعَثُوا مَنْ وَكَّلُوهُ بِالشِّرَاءِ. وَتَضَمَّنَتْ جَوَازَ أَكْلِ الرُّفَقَاءِ وَخَلْطِهِمْ طَعَامَهُمْ مَعًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ أَكْلًا مِنَ الْآخَرِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ﴾ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ٦٢.]] ". وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمِسْكِينِ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَخْلِطُهُ بِطَعَامٍ لِغَنِيٍّ ثُمَّ يَأْكُلُ مَعَهُ: إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُضَارِبِ يَخْلِطُ طَعَامَهُ بِطَعَامِ غَيْرِهِ ثُمَّ يَأْكُلُ مَعَهُ: إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَّلَ مَنِ اشْتَرَى لَهُ أُضْحِيَّةً. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَعْطَاهُ مُنْفَرِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ اشْتَرَاكٌ. وَلَا مُعَوَّلَ فِي هَذِهِ المسألة إِلَّا عَلَى حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَ بِقَوْمٍ يَأْكُلُونَ تَمْرًا فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الِاقْتِرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. الثَّانِي- حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبَطِ [[سموا جيش الخبط لأنهم خرجوا في سرية إلى أرض جهينة فأصابهم جوع فأكلوا الخبط، فسموا به وهو خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه وهو إسقاط ورقه بالخيط.]]. وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الظُّهُورِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِيهِمْ كَفَافًا مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ وَلَا يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ﴾ وَقَوْلُهُ:" لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً [[راجع ج ١٢ ص ٣١٧.]] " عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب