الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً﴾ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مِثْلِ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَبِي جَهْلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ مُعْجِزَةً، اجْتَمَعُوا- فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ- بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْكَ لِيُكَلِّمُوكَ فَأْتِهِمْ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدْوٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتْهُمْ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّا قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ وَعِبْتَ الدِّينَ وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ. فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشَّرَفَ فِينَا فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ رَئِيًّا- فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ أَوْ نُعْذَرَ فِيكَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا بِي مَا تَقُولُونَ مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" أَوْ كَمَا قَالَ ﷺ. قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا مِمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا وَلَا أَقَلَّ مَاءً وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضُيِّقَتْ عَلَيْنَا، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا وَلْيَخْرِقْ لَنَا فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يَبْعَثُ لَنَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ فَنَسْأَلْهُمْ عَمَّا تَقُولُ، أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ: "مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا بَعَثَنِي بِهِ وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ". قَالُوا: فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا فَخُذْ لِنَفْسِكَ! سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ وَيُرَاجِعَنَا عَنْكَ، وَاسْأَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُغْنِيَكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا أَنَا بِفَاعِلٍ وَمَا أَنَا بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا وَمَا بُعِثْتُ بِهَذَا إِلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" قَالُوا: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ" قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، فَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عما سألنا عَنْهُ وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمَ إِلَيْكَ فَيُعْلِمَكَ بِمَا تُرَاجِعَنَا بِهِ، وَيُخْبِرَكَ [[في ج: بما.]] مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا إِذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتِنَا بِهِ. إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا إِنَّمَا يُعْلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ مِنَّا حَتَّى نُهْلِكَكَ أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَامَ عَنْهُمْ وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ، هُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فقال له: يا محمد عرض عليك قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، وَيُصَدِّقُوكَ وَيَتَّبِعُوكَ فَلَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تَأْخُذَ لِنَفْسِكَ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ فَضْلَكَ عَلَيْهِمْ وَمَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ لَهُمْ بَعْضَ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ فَلَمْ تَفْعَلْ- أو كما قال له- فوالله لا أؤمن بِكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثُمَّ تَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، ثُمَّ تَأْتِي مَعَكَ بِصَكٍّ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا ظَنَنْتُ أَنِّي أُصَدِّقُكَ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا آسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ يَطْمَعُ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إِيَّاهُ، كُلُّهُ لَفْظُ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ". "يَنْبُوعاً" يَعْنِي الْعُيُونَ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَهِيَ يَفْعُولٌ، مِنْ نَبَعَ يَنْبَعُ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "تَفْجُرَ لَنَا" مُخَفَّفَةً، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ لِأَنَّ الْيَنْبُوعَ وَاحِدٌ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَفَجُّرِ الْأَنْهَارَ أَنَّهُ مُشَدَّدٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأُولَى مِثْلُهَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. لَيْسَتْ مِثْلَهَا، لِأَنَّ الْأُولَى بَعْدَهَا يَنْبُوعٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهَا الْأَنْهَارُ وَهِيَ جَمْعٌ، وَالتَّشْدِيدُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْثِيرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ "يَنْبُوعاً" وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ. الْيَنْبُوعُ عَيْنُ الْمَاءِ، وَالْجَمْعُ الْيَنَابِيعُ. وَقَرَأَ قتادة "أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ". (خِلالَها) أَيْ وَسَطَهَا. (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ "أَوْ يَسْقُطَ السَّمَاءُ" عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى السَّمَاءِ. (كِسَفاً) قِطَعًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَالْكِسَفُ (بِفَتْحِ السِّينِ) جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ. الْبَاقُونَ "كِسَفاً" بِإِسْكَانِ السِّينِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: مَنْ قَرَأَ كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ جَعَلَهُ وَاحِدًا، وَمَنْ قَرَأَ كِسَفًا جَعَلَهُ جَمْعًا. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ أَسْكَنَ السِّينَ جَازَ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ كِسْفَةٍ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، مِنْ كَسَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتُهُ. فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: أَسْقِطْهَا طَبَقًا عَلَيْنَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ. الْكِسْفَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ، يُقَالُ: أَعْطِنِي كِسْفَةً مِنْ ثَوْبِكَ، وَالْجَمْعُ كِسَفٌ وَكِسْفٌ. وَيُقَالُ: الْكِسْفَةُ وَاحِدٌ. (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا) أَيْ مُعَايَنَةً، عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: كَفِيلًا. قَالَ مُقَاتِلٌ: شَهِيدًا. مُجَاهِدٌ: هُوَ جَمْعُ الْقَبِيلَةِ، أَيْ بِأَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً. وَقِيلَ: ضُمَنَاءَ يَضْمَنُونَ لَنَا إِتْيَانَكَ بِهِ. (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أَيْ مِنْ ذَهَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَأَصْلُهُ الزِّينَةُ. وَالْمُزَخْرَفُ الْمُزَيَّنُ. وَزَخَارِفُ الْمَاءِ طَرَائِقُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا الزُّخْرُفُ حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ "بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ" أَيْ نَحْنُ لَا نَنْقَادُ لَكَ مَعَ هَذَا الْفَقْرِ الَّذِي نَرَى. (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أَيْ تَصْعَدُ، يُقَالُ: رَقِيتُ فِي السُّلَّمِ أَرْقَى رُقِيًّا وَرَقْيًا إِذَا صَعِدْتُ. وَارْتَقَيْتُ مِثْلُهُ. (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) أَيْ مِنْ أَجْلِ رُقِيِّكَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، نَحْوُ مَضَى يَمْضِي مُضِيًّا، وَهَوَى يَهْوِي هُوِيًّا، كَذَلِكَ رَقِيَ يَرْقَى رُقِيًّا. (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) أَيْ كِتَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً [[راجع ج ١٩ ص ٨٨.]] ". (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) وَقَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالشَّامِ "قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي" يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يعجز عن شي وَعَنْ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي فِعْلٍ. وَقِيلَ: هَذَا كُلُّهُ تَعَجُّبٌ عَنْ فَرْطِ كُفْرِهِمْ وَاقْتِرَاحَاتِهِمْ. الْبَاقُونَ "قُلْ" عَلَى الْأَمْرِ، أَيْ قُلْ لَهُمْ يا محمد (هَلْ كُنْتُ) أَيْ مَا أَنَا (إِلَّا بَشَراً رَسُولًا) أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ أَتَى بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ: لَيْسَ هَذَا جَوَابًا مُقْنِعًا، وَغَلِطُوا، لِأَنَّهُ أَجَابَهُمْ فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى شي مِمَّا سَأَلْتُمُونِي، وَلَيْسَ لِي أَنْ أَتَخَيَّرَ عَلَى رَبِّي، وَلَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ قَبْلِي يَأْتُونَ أُمَمَهُمْ بِكُلِّ مَا يُرِيدُونَهُ وَيَبْغُونَهُ، وَسَبِيلِي سَبِيلُهُمْ، وَكَانُوا يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِمْ، فَإِذَا أَقَامُوا عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ لَمْ يَجِبْ لِقَوْمِهِمْ أَنْ يَقْتَرِحُوا غَيْرَهَا، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِكُلِّ مَا يَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الْآيَاتِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِمَنْ يَخْتَارُونَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَوَجَبَ لِكُلِّ إنسان أن يقول: لا أو من حَتَّى أُوتَى بِآيَةٍ خِلَافَ مَا طَلَبَ غَيْرِي. وَهَذَا يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ إِلَى الناس، وإنما التدبير إلى الله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب