الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مسائل: الاولى- وهو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصَّ نَبِيَّهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها). وَهُوَ تَأْدِيبٌ عَجِيبٌ وَقَوْلٌ لَطِيفٌ بَدِيعٌ، أَيْ لَا تُعْرِضُ عَنْهُمْ إِعْرَاضَ مُسْتَهِينٍ عَنْ ظَهْرِ الْغِنَى وَالْقُدْرَةِ فَتَحْرِمَهُمْ [[في ى: والفرار من فتنتهم. ولا يبدو له معنى.]]. وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُمْ عِنْدَ عَجْزٍ يَعْرِضُ وَعَائِقٍ يَعُوقُ، وَأَنْتَ عِنْدُ ذَلِكَ تَرْجُو مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتْحَ بَابِ الْخَيْرِ لِتَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مُوَاسَاةِ السَّائِلِ، فَإِنْ قَعَدَ بِكَ الْحَالُ "فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً". الثَّانِيَةُ- فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَيَأْبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُمْ نَفَقَةَ الْمَالِ فِي فساد، فَكَانَ يَعْرِضُ عَنْهُمْ رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ فِي مَنْعِهِمْ لِئَلَّا يُعِينَهُمْ عَلَى فَسَادِهِمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها" قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِي ذِكْرِ الْوَالِدَيْنِ، جَاءَ نَاسٌ مِنْ مُزَيْنَةَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَحْمِلُونَهُ، فَقَالَ: "لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ" فَتَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها". والرحمة الفيء [[في ج في هـ: الغنى.]]. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً﴾ أَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ، أَيْ يَسِّرْ فَقْرَهُمْ عَلَيْهِمْ بِدُعَائِكَ لَهُمْ. وَقِيلَ: ادْعُ لَهُمْ دُعَاءً يَتَضَمَّنُ الْفَتْحَ لَهُمْ وَالْإِصْلَاحَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى "وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ" أَيْ إِنْ أَعْرَضْتَ يَا مُحَمَّدُ عَنْ إِعْطَائِهِمْ لِضِيقِ يَدٍ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا، أَيْ أَحْسِنِ الْقَوْلَ وَابْسُطِ الْعُذْرَ، وَادْعُ لَهُمْ بِسَعَةِ الرِّزْقِ، وَقُلْ إِذَا وَجَدْتُ فَعَلْتُ وَأَكْرَمْتُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْمَلُ فِي مَسَرَّةِ نَفْسِهِ عَمَلَ الْمُوَاسَاةِ. وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا سُئِلَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُعْطِي سَكَتَ انْتِظَارًا لِرِزْقٍ يَأْتِي مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَرَاهَةَ الرَّدِّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَكَانَ ﷺ إِذَا سُئِلَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُعْطِي قَالَ: "يَرْزُقُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ فَضْلِهِ". فَالرَّحْمَةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الرِّزْقُ الْمُنْتَظَرُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ. وَ "قَوْلًا مَيْسُوراً" أَيْ لَيِّنًا لَطِيفًا طَيِّبًا، مَفْعُولٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، مِنْ لَفْظِ الْيُسْرِ كَالْمَيْمُونِ، أَيْ وَعْدًا جَمِيلًا، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ: إِلَّا تَكُنْ وَرِقٌ يَوْمًا أَجُودُ بِهَا ... لِلسَّائِلِينَ فَإِنِّي لَيِّنُ الْعُودِ لَا يَعْدَمُ السَّائِلُونَ الْخَيْرَ مِنْ خُلُقِي ... إِمَّا نَوَالِي وَإِمَّا حُسْنُ مَرْدُودِي تَقُولُ: يسرت لك كذا إذا أعددته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب