الباحث القرآني

قوله تعالى: (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) أَيْ لَنَسْأَلَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَرَى ذِكْرُهُمْ عَمَّا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَقَالَ عدة من أهل العلم في قوله: "فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" عَنْ لَا إِلَهَ إلا الله. قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في قوله: "فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" قَالَ: "عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَعْنَاهُ عِنْدَنَا عَنْ صِدْقِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَوَفَائِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَنْزِيلِهِ الْعَمَلَ فَقَالَ: "عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" وَلَمْ يَقُلْ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ أَيْضًا عَمَلُ اللِّسَانِ، فَإِنَّمَا الْمَعْنِيُّ بِهِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلٌ وَالْعَمَلَ عَمَلٌ. وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَيْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا وَالصِّدْقِ لِمَقَالِهَا. كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا الدِّينُ بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ. وَلِهَذَا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِخْلَاصُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَحْجِزَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ". رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيَّ أَلَّا يَأْتِيَنِي أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا يَخْلِطُ بِهَا شَيْئًا إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الَّذِي يُخْلَطُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: "حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعًا لَهَا وَمَنْعًا لَهَا، يَقُولُونَ قَوْلَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الْجَبَابِرَةِ". وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَمْنَعُ الْعِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ ثُمَّ قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ اللَّهُ كَذَبْتُمْ". أَسَانِيدُهَا فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ. قُلْتُ: وَالْآيَةُ بِعُمُومِهَا تَدُلُّ عَلَى سُؤَالِ الْجَمِيعِ وَمُحَاسَبَتِهِمْ كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ، إِلَّا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ). فَإِنْ قِيلَ: وَهَلْ يُسْأَلُ الْكَافِرُ وَيُحَاسَبُ؟ قُلْنَا: فِيهِ خِلَافٌ وَذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَةِ. وَالَّذِي يظهر سؤال، للآية وقوله:" وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [[راجع ج ١٥ ص ٧٢.]] "وَقَوْلُهُ:" إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ [[راجع ج ٢٠ ص ٣٨.]] ". فإن قيل: فقد قال تعالى: " وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [[راجع ج ١٣ ص ٣١٥.]] "وقال:" فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [[راجع ج ١٧ ص ١٧٣.]] "، وَقَالَ:" وَلا يُكَلِّمُهُمُ [[راجع ج ٢ ص ٢٣٤.]] اللَّهُ"، وَقَالَ:" إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [[راجع ج ١٩ ص ٢٥٧.]] ". قُلْنَا: الْقِيَامَةُ مَوَاطِنُ، فَمَوْطِنٌ يَكُونُ فِيهِ سؤال وكلام، موطن لَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيهِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْقِيَامَةُ مَوَاطِنُ، يُسْأَلُ فِي بَعْضِهَا وَلَا يُسْأَلُ فِي بَعْضِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَسْأَلُهُمْ سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ وَاسْتِعْلَامٍ هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، لِأَنَّ الله عالم بكل شي، وَلَكِنْ يَسْأَلُهُمْ سُؤَالَ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ فَيَقُولُ لَهُمْ: لِمَ عَصَيْتُمُ الْقُرْآنَ وَمَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ؟ وَاعْتَمَدَ قطرب هذا القول. وقيل: "لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُكَلَّفِينَ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [[راجع ج ٢٠ ص ١٧٤.]] ". وَالْقَوْلُ بِالْعُمُومِ أولى كما ذكر. والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب