الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- لَا شَكَّ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مَأْمُورًا بالسجود، لقول:" مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [[راجع ج ٧ ص ١٦٩.]] "وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَارُ وَالِاسْتِعْظَامُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ٢٩٤.]] "بَيَانُهُ. ثُمَّ قِيلَ: كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ٢٩٤.]] "هَذَا كُلُّهُ مُسْتَوْفًى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَانُّ أَبُو الْجِنِّ وَلَيْسُوا شَيَاطِينَ. وَالشَّيَاطِينُ وَلَدُ إِبْلِيسَ، لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيسَ. وَالْجِنُّ يَمُوتُونَ، وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَمِنْهُمُ الْكَافِرُ. فَآدَمُ أَبُو الْإِنْسِ. وَالْجَانُّ أَبُو الْجِنِّ. وَإِبْلِيسُ أَبُو الشَّيَاطِينِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَالَّذِي تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" خِلَافُ هَذَا، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. الثَّانِيَةُ- الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجِنْسِ غَيْرِ الْجِنْسِ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، حَتَّى لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشْرَةُ أَثْوَابٍ إِلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ، وَمَا جَانَسَ ذَلِكَ كَانَ مَقْبُولًا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْمَبْلَغِ قِيمَةُ الثَّوْبِ وَالْحِنْطَةِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمُقَدَّرَاتُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اسْتِثْنَاءُ الْمَكِيلِ مِنَ الْمَوْزُونِ وَالْمَوْزُونِ مِنَ الْمَكِيلِ جَائِزٌ، حَتَّى لَوِ اسْتَثْنَى الدَّرَاهِمَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةَ مِنَ الدَّرَاهِمِ قُبِلَ. فَأَمَّا إِذَا اسْتَثْنَى الْمُقَوَّمَاتِ مِنَ الْمَكِيلَاتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَكِيلَاتِ مِنَ الْمُقَوَّمَاتِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إِلَّا ثَوْبًا، أَوْ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ إِلَّا دِينَارًا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ جَمِيعُ الْمَبْلَغِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَا يَصِحُّ، وَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ جُمْلَةُ [[في ى: جميع.]] مَا أَقَرَّ به. والدليل لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِنْسِ وَغَيْرِ الْجِنْسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً [[راجع ج ١٧ ص ٢٠٦.]] سَلاماً "فَاسْتَثْنَى السَّلَامَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّغْوِ. وَمِثْلُهُ" فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ "وَإِبْلِيسُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ [[راجع ص ٤١٩ من هذا الجزء.]] رَبِّهِ". وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ فَاسْتَثْنَى الْيَعَافِيرَ وَهِيَ ذُكُورُ الظِّبَاءِ، وَالْعِيسُ وَهِيَ الْجِمَالُ الْبِيضُ من الأنيس، ومثله قول النَّابِغَةُ [[لم يذكر المؤلف رحمة الله عليه قول النابغة، أو لعله سقط من الناسخ. وكأنه يشير إلى قوله: حلقت يَمِينًا غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ ... وَلَا عِلْمَ إِلَّا حسن ظن بصاحب وهذا البيت أورده سيبويه في كتابه شاهدا على نصب ما بعد إلا على الاستثناء المنقطع، لان حسن الظن ليس من العلم. والمثنوية: الاستثناء في اليمين. والمعنى: حلفت غير مستثن في يميني حسن ظن منى بثا حبى قام عندي مقام العلم الذي يوجب اليمين. (راجع كتاب سيبويه).]]: حَلَفْتُ يَمِينًا غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ ... وَلَا علم إلا حسن ظن بصاحب
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب