الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا﴾ تَهْدِيدٌ لَهُمْ. (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أَيْ يَشْغَلُهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ. يُقَالُ: أَلْهَاهُ عَنْ كَذَا أَيْ شَغَلَهُ. وَلَهِيَ هُوَ عَنِ الشَّيْءِ يَلْهَى. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إِذَا رَأَوُا الْقِيَامَةَ وَذَاقُوا وَبَالَ مَا صَنَعُوا. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالسَّيْفِ. الثَّانِيَةُ- فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ وَطُولُ الْأَمَلِ والحرص على الدنيا". وطول الأمل داء عُضَالٌ وَمَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَمَتَى تَمَكَّنَ مِنَ الْقَلْبِ فَسَدَ مِزَاجُهُ وَاشْتَدَّ عِلَاجُهُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ دَاءٌ ولا نجع فِيهِ دَوَاءٌ، بَلْ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ وَيَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ الْحُكَمَاءُ وَالْعُلَمَاءُ. وَحَقِيقَةُ الْأَمَلِ: الْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا وَالِانْكِبَابُ عَلَيْهَا، وَالْحُبُّ لَهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْآخِرَةِ. وَرُوِيَ [[في ى: يروى.]] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "نَجَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْيَقِينِ وَالزُّهْدِ وَيَهْلِكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ". ويروى عن أبى الدرداء رضى الله أَنَّهُ قَامَ عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ: يأهل دِمَشْقَ، أَلَا تَسْمَعُونَ مِنْ أَخٍ لَكُمْ نَاصِحٍ؟ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ كَثِيرًا وَيَبْنُونَ مَشِيدًا وَيَأْمُلُونَ بَعِيدًا، فَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا وَبُنْيَانُهُمْ قُبُورًا وَأَمَلُهُمْ غُرُورًا. هَذِهِ عَادٌ قَدْ مَلَأَتِ الْبِلَادَ أَهْلًا وَمَالًا وَخَيْلًا وَرِجَالًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْيَوْمَ تَرِكَتَهُمْ بِدِرْهَمَيْنِ! وَأَنْشَدَ: يَا ذَا الْمُؤَمِّلُ آمَالًا وَإِنْ بَعُدَتْ ... مِنْهُ وَيَزْعُمُ أَنْ يَحْظَى بِأَقْصَاهَا أَنَّى تَفُوزُ بِمَا تَرْجُوهُ وَيْكَ وَمَا ... أَصْبَحْتَ فِي ثِقَةٍ مِنْ نَيْلِ أَدْنَاهَا وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ. وَصَدَقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ! فَالْأَمَلُ يُكْسِلُ عَنِ الْعَمَلِ وَيُورِثُ التَّرَاخِيَ وَالْتَوَانِيَ، وَيُعْقِبُ التَّشَاغُلَ وَالتَّقَاعُسَ، وَيُخْلِدُ إِلَى الْأَرْضِ وَيُمِيلُ إِلَى الْهَوَى. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ شُوهِدَ بِالْعِيَانِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَلَا يُطْلَبُ صَاحِبُهُ بِبُرْهَانٍ، كَمَا أَنَّ قِصَرَ الْأَمَلِ يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ، وَيُحِيلُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ، وَيَحُثُّ عَلَى الْمُسَابَقَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب