الباحث القرآني

إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) أَيْ لَكِنْ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، أَيِ الْخَطْفَةَ الْيَسِيرَةَ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقِيلَ، هُوَ مُتَّصِلٌ، أي إلا ممن استرق السمع أَيْ حَفِظْنَا السَّمَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ تَسْمَعَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ، وَغَيْرِهِ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَإِنَّا لَمْ نَحْفَظْهَا مِنْهُ أَنْ تَسْمَعَ الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ سِوَى الْوَحْيِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَا تَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئًا، لِقَوْلِهِ: "إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ" [[راجع ج ١٣ ص]]. وإذا استمع الشياطين إلى شي لَيْسَ بِوَحْيٍ فَإِنَّهُمْ يَقْذِفُونَهُ إِلَى الْكَهَنَةِ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ تَتْبَعُهُمُ الشُّهُبُ فَتَقْتُلُهُمْ أَوْ تَخْبِلُهُمْ [[الخيل (بسكون الياء): فساد الأعضاء.]]، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ﴾ أَتْبَعَهُ: أَدْرَكَهُ ولحقه. وشهاب: كَوْكَبٌ مُضِيءٌ. وَكَذَلِكَ شِهَابٌ ثَاقِبٌ. وَقَوْلُهُ:" بِشِهابٍ قَبَسٍ [[راجع ج ١٣ ص ١٥٦.]] " بِشُعْلَةِ نَارٍ فِي رَأْسِ عُودٍ، قَالَهُ ابْنُ عُزَيْزٍ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ [[أي إثر الشيطان، ومسوم: معلم. ومنقضب: منقض من مكانه.]] ... مُسَوَّمٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ منقضب وسمي الكوكب شهابا لبريقه، بشبه النَّارَ. وَقِيلَ: شِهَابٌ لِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، قَبَسٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، فَتُحْرِقُهُمْ وَلَا تَعُودُ إِذَا أَحْرَقَتْ كَمَا إِذَا أَحْرَقَتِ النَّارُ لَمْ تَعُدْ، بِخِلَافِ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ إِذَا أَحْرَقَ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَصْعَدُ الشَّيَاطِينُ أَفْوَاجًا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَيَنْفَرِدُ الْمَارِدُ مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ فَيُصِيبُ جَبْهَتَهُ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَلْتَهِبُ، فَيَأْتِي أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَلْتَهِبُ فَيَقُولُ: إنه كان من الام كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَبُ أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَهَنَةِ فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا، فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْلَ الْأَرْضِ، الْكَلِمَةُ حَقٌّ وَالتِّسْعُ بَاطِلٌ. فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ، صَدَّقُوهُمْ بِكُلِّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كَذِبِهِمْ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا فِي سُورَةِ" سَبَأٍ [[راجع ج ١٤ ص ٢٩٥.]] "إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتُلِفَ فِي الشِّهَابِ هَلْ يَقْتُلُ أَمْ لَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّهَابُ يَجْرَحُ وَيُحْرِقُ وَيُخْبِلُ وَلَا يَقْتُلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ: يَقْتُلُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي قَتْلِهِمْ بِالشُّهُبِ قَبْلَ إِلْقَاءِ السَّمْعِ إِلَى الْجِنِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْلَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا لَا تَصِلُ أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِذَلِكَ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْجِنِّ، وَلِذَلِكَ مَا يَعُودُونَ إِلَى اسْتِرَاقِهِ، وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لَانْقَطَعَ الِاسْتِرَاقُ وَانْقَطَعَ الْإِحْرَاقُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْتُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الصَّافَّاتِ". وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ رَمْيٌ بِالشُّهُبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ نَعَمْ. وَقِيلَ: لَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سُورَةِ "الْجِنِّ (١) " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي "الصَّافَّاتِ" أَيْضًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالرَّمْيُ بِالشُّهُبِ مِنْ آيَاتِ النَّبِيِّ ﷺ مِمَّا حَدَثَ بَعْدَ مَوْلِدِهِ، لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَلَمْ يُشَبِّهُوا الشَّيْءَ السَّرِيعَ بِهِ كَمَا شَبَّهُوا بِالْبَرْقِ وَبِالسَّيْلِ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: انْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ كَانَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، ثُمَّ صَارَ رُجُومًا حِينَ وُلِدَ النَّبِيُّ ﷺ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: نَحْنُ نَرَى انْقِضَاضَ الْكَوَاكِبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَمَا نَرَى ثُمَّ يَصِيرَ نَارًا إِذَا أَدْرَكَ الشَّيْطَانَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُرْمَوْنَ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ مِنَ الْهَوَى فَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهُ نَجْمٌ سَرَى. وَالشِّهَابُ فِي اللُّغَةِ النَّارُ السَّاطِعَةُ. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ رُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ بِنُجُومٍ لَمْ تَكُنْ تُرْجَمُ بِهَا قَبْلُ، فَأَتَوْا عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ فَقَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَزِعُوا وَقَدْ أَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ وَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ لِمَا رَأَوْا فِي النُّجُومِ. فَقَالَ لَهُمْ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى-: لَا تَعْجَلُوا، وَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي تُعْرَفُ فَهِيَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهِيَ مِنْ حَدَثٍ. فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ نُجُومٌ لَا تُعْرَفُ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ حَدَثٍ. فَلَمْ يَلْبَثُوا حَتَّى سَمِعُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب