الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ﴾ قِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هُنَا بِمَعْنَى الاستبدال، أذا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَقْدًا، مِثْلُ: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى ﴾[[راجع ج ١ ص ٢١.]] [البقرة: ١٦]. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ ظَنُّوهُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ اشْتِرَاءً، فَجَرَى هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِ الظَّنِّ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا الَّذِي اشْتَرَاهُ مَلِكُ مِصْرَ، وَلَقَبُهُ الْعَزِيزُ. السُّهَيْلِيُّ: وَاسْمُهُ قِطْفِيرُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِطْفِيرُ بْنُ رُوَيْحِبٍ اشْتَرَاهُ لِامْرَأَتِهِ رَاعِيلَ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ: كَانَ اسْمُهَا زَلِيخَاءَ. وَكَانَ اللَّهُ أَلْقَى مَحَبَّةَ يُوسُفَ عَلَى قَلْبِ الْعَزِيزِ، فَأَوْصَى بِهِ أَهْلَهُ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي اسْمِهَا الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا اشْتَرَاهُ قِطْفِيرُ وَزِيرُ مَلِكِ مِصْرَ، وَهُوَ الرَّيَّانُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الرَّيَّانِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْعَمَالِقَةِ. وَقِيلَ: هُوَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، لِقَوْلِ مُوسَى: ﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ﴾ [غافر: ٣٤] وَأَنَّهُ عَاشَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: فِرْعَوْنُ مُوسَى مِنْ أَوْلَادِ فِرْعَوْنِ يُوسُفَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي "غَافِرٍ" [[راجع ج ١٥ ص ٣١٢.]] بَيَانُهُ. وَكَانَ هَذَا الْعَزِيزُ الَّذِي اشْتَرَى يُوسُفَ عَلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ، وَاشْتَرَى يُوسُفَ مِنْ مَالِكِ بْنِ دُعْرٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَزَادَهُ حُلَّةً وَنَعْلَيْنِ. وَقِيلَ: اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الرُّفْقَةِ. وَقِيلَ: تَزَايَدُوا فِي ثَمَنِهِ فَبَلَغَ أَضْعَافُ وَزْنِهِ مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلي وَجَوَاهِرَ لَا يَعْلَمُ قِيمَتَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَابْتَاعَهُ قِطْفِيرُ مِنْ مَالِكٍ بِهَذَا الثَّمَنِ، قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَقَالَ وَهْبٌ أَيْضًا وَغَيْرُهُ: وَلَمَّا اشْتَرَى مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ يُوسُفَ مِنْ إِخْوَتِهِ كَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ مِنْ بَنِي يَعْقُوبَ، وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ مَمْلُوكًا لَهُمْ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَقَدْ شَرَطُوا لَهُ أَنَّهُ آبِقٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ بِهِ إِلَّا مُقَيَّدًا مُسَلْسَلًا، وَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَوَدَّعَهُمْ يُوسُفَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: حَفِظَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ ضَيَّعْتُمُونِي، نَصَرَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ خَذَلْتُمُونِي، رَحِمَكُمُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ تَرْحَمُونِي، قَالُوا: فَأَلْقَتِ الْأَغْنَامُ مَا فِي بُطُونِهَا دَمًا عَبِيطًا [[الدم العبيط: الطري.]] لِشِدَّةِ هَذَا التَّوْدِيعِ، وَحَمَلُوهُ عَلَى قَتَبٍ بِغَيْرِ غِطَاءٍ وَلَا وِطَاءٍ، مُقَيَّدًا مُكَبَّلًا مُسَلْسَلًا، فَمَرَّ عَلَى مَقْبَرَةِ آلِ كَنْعَانَ فَرَأَى قَبْرَ أُمِّهِ- وَقَدْ كَانَ وُكِّلَ بِهِ أَسْوَدُ يَحْرُسُهُ فَغَفَلَ الْأَسْوَدُ- فَأَلْقَى يُوسُفُ نَفْسَهُ عَلَى قبر أمه فجعل يتمرغ وَيَعْتَنِقُ الْقَبْرَ وَيَضْطَرِبُ وَيَقُولُ: يَا أُمَّاهُ! ارْفَعِي رَأْسَكَ تَرَيْ وَلَدَكَ مُكَبَّلًا مُقَيَّدًا مُسَلْسَلًا مَغْلُولًا، فَرَّقُوا بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي، فَاسْأَلِي اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَتَفَقَّدَهُ الْأَسْوَدُ عَلَى الْبَعِيرِ فَلَمْ يَرَهُ، فَقَفَا أَثَرَهُ، فَإِذَا هُوَ بَيَاضٌ عَلَى قَبْرٍ، فَتَأَمَّلَهُ فَإِذَا هُوَ إِيَّاهُ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فِي التُّرَابِ وَمَرَّغَهُ وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، فَقَالَ لَهُ: لَا تَفْعَلُ! وَاللَّهِ مَا هَرَبْتُ وَلَا أَبَقْتُ وَإِنَّمَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُوَدِّعَهَا، وَلَنْ أَرْجِعَ إِلَى مَا تَكْرَهُونَ، فَقَالَ الْأَسْوَدُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَعَبْدُ سُوءٍ، تَدْعُو أَبَاكَ مَرَّةً وَأُمَّكَ أُخْرَى! فَهَلَّا كَانَ هَذَا عِنْدَ مَوَالِيكَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ لِي عِنْدَكَ خَطِيئَةٌ أَخَلَقْتَ بِهَا وَجْهِي فَأَسْأَلُكَ بِحَقِ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، فَضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: يَا يُوسُفُ! غُضَّ صَوْتَكَ فَلَقَدْ أَبْكَيْتَ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ! أَفَتُرِيدُ أَنْ أَقْلِبَ الْأَرْضَ فَأَجْعَلُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا؟ قَالَ: تَثَبَّتْ يَا جِبْرِيلُ، فَإِنَّ اللَّهَ حَلِيمٌ لَا يَعْجَلُ، فَضَرَبَ الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ فَأَظْلَمَتْ، وَارْتَفَعَ الْغُبَارُ، وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَبَقِيَتِ الْقَافِلَةُ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَقَالَ رَئِيسُ الْقَافِلَةِ: مَنْ أَحْدَثَ مِنْكُمْ حَدَثًا؟ - فَإِنِّي أُسَافِرُ مُنْذُ كَيْتَ وَكَيْتَ مَا أَصَابَنِي قَطُّ مِثْلُ هَذَا- فَقَالَ الْأَسْوَدُ: أَنَا لَطَمْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ الْعِبْرَانِيَّ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا هَلَاكَنَا! ايتَنَا بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ! لَقَدْ لَطَمَكَ فَجَاءَنَا مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ كُنْتَ تَقْتَصُّ فَاقْتَصَّ مِمَّنْ شِئْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْفُو فَهُوَ الظَّنُّ بِكَ، قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ رَجَاءَ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنِّي، فَانْجَلَتِ الْغَبَرَةُ، وَظَهَرَتِ الشَّمْسُ، وَأَضَاءَ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا، وَجَعَلَ التَّاجِرُ يَزُورُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَيُكْرِمُهُ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى مِصْرَ فَاغْتَسَلَ فِي نِيلِهَا وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ كَآبَةَ السَّفَرِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ جَمَالَهُ، وَدَخَلَ بِهِ الْبَلَدُ نَهَارًا فَسَطَعَ نُورُهُ عَلَى الْجُدَرَانِ، وَأَوْقَفُوهُ لِلْبَيْعِ فَاشْتَرَاهُ قِطْفِيرُ وَزِيرُ الْمَلِكِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْمَلِكَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى آمَنَ وَاتَّبَعَ يُوسُفَ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَلِكُ وَيُوسُفُ يَوْمئِذٍ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَمَلَكَ بَعْدَهُ قَابُوسُ وَكَانَ كَافِرًا، فَدَعَاهُ يُوسُفُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَى. (أَكْرِمِي مَثْواهُ) أَيْ مَنْزِلَهُ وَمَقَامَهُ بِطِيبِ الْمَطْعَمِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "آلِ عِمْرَانَ" [[راجع ج ٤ ص ٢٣٣.]] وَغَيْرِهِ. (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) أَيْ يَكْفِيَنَا بَعْضَ الْمُهِمَّاتِ إِذَا بَلَغَ. (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ حَصُورًا لَا يُولَدُ لَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ قِطْفِيرُ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يُولَدُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ "أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً" وَهُوَ مِلْكُهُ، وَالْوَلَدِيَّةُ مَعَ الْعَبْدِيَّةِ تَتَنَاقَضُ؟ قِيلَ لَهُ: يُعْتِقُهُ ثُمَّ يَتَّخِذُهُ وَلَدًا بِالتَّبَنِّي، وَكَانَ التَّبَنِّي فِي الْأُمَمِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي "الْأَحْزَابِ" [[راجع ج ١٤ ص ١١٨ فما بعد وص ١٨٨ فما بعد.]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَحْسَنُ النَّاسِ فِرَاسَةً ثَلَاثَةٌ، الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ فَقَالَ: "عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً" وَبِنْتُ شُعَيْبٍ حِينَ قَالَتْ لِأَبِيهَا فِي مُوسَى ﴿اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[[ج ١٠ ص ٤٢ فما بعد.]] [القصص: ٢٦]، وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: عَجَبًا لِلْمُفَسِّرِينَ فِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَلْبِ هَذَا الْخَبَرِ! وَالْفِرَاسَةُ هِيَ عِلْمٌ غَرِيبٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ "الْحِجْرِ" [[راجع ج ١٣ ص ٢٧١.]] وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا نَقَلُوهُ، لِأَنَّ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا وَلَّى عُمَرَ بِالتَّجْرِبَةِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصُّحْبَةِ وَطُولِهَا، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْمِنَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْفِرَاسَةِ، وَأَمَّا بِنْتُ شُعَيْبٍ فَكَانَتْ مَعَهَا الْعَلَامَةُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي "الْقَصَصِ" [[راجع ج ١٣ ص ٢٧١.]]. وَأَمَّا أَمْرُ الْعَزِيزِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِرَاسَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ وَكَمَا أَنْقَذْنَاهُ مِنْ إِخْوَتِهِ وَمِنَ الْجُبِّ فَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لَهُ، أَيْ عَطَّفْنَا عَلَيْهِ قَلْبَ الْمَلِكِ الَّذِي اشْتَرَاهُ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي الْمَلِكُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ. (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ يَعْقُوبَ: "وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ". وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَكَّنَّاهُ لِنُوحِيَ إِلَيْهِ بِكَلَامٍ مِنَّا، وَنُعَلِّمَهُ تَأْوِيلَهُ وَتَفْسِيرَهُ، وَتَأْوِيلَ الرُّؤْيَا، وَتَمَّ الْكَلَامُ. (وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لا يغلب الله شي، بل هو الغالب على أمر نَفْسِهِ فِيمَا يُرِيدُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. وَقِيلَ: تَرْجِعُ إِلَى يُوسُفَ، أَيِ اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِ يُوسُفَ يُدَبِّرُهُ وَيَحُوطُهُ وَلَا يَكِلُهُ إِلَى غَيْرِهِ، حَتَّى لَا يَصِلُ إِلَيْهِ كَيْدُ كَائِدٍ. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أَيْ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى غَيْبِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ الْجَمِيعُ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ. وَقِيلَ: هُوَ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إِذْ قَدْ يُطْلِعُ مِنْ يُرِيدُ عَلَى بَعْضِ غَيْبِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى "وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" أَنَّ اللَّهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ. وَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ" حَيْثُ، أَمَرَهُ يَعْقُوبُ أَلَّا يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى إِخْوَتِهِ فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى قَصَّ، ثُمَّ أَرَادَ إِخْوَتُهُ قَتْلَهُ فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى صَارَ مَلِكًا وَسَجَدُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَرَادَ الْإِخْوَةُ أَنْ يَخْلُوَ لَهُمْ وَجْهُ أَبِيهِمْ فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى ضَاقَ عَلَيْهِمْ قَلْبُ أَبِيهِمْ، وَافْتَكَرَهُ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ ثَمَانِينَ سَنَةً، فَقَالَ: "يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ" ثُمَّ تَدَبَّرُوا أَنْ يَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ، أَيْ تَائِبِينَ فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى نَسُوا الذَّنْبَ وَأَصَرُّوا عَلَيْهِ حَتَّى أَقَرُّوا بَيْنَ يَدَيْ يُوسُفَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقَالُوا لِأَبِيهِمْ: ﴿إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٩٧] ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَخْدَعُوا أَبَاهُمْ بِالْبُكَاءِ وَالْقَمِيصِ [فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ [[من ع وك وووى.]]] فَلَمْ يَنْخَدِعْ، وَقَالَ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً﴾ [يوسف: ١٨] ثُمَّ احْتَالُوا فِي أَنْ تَزُولَ مَحَبَّتُهُ مِنْ قَلْبِ أَبِيهِمْ فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ فَازْدَادَتِ الْمَحَبَّةُ وَالشَّوْقُ فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ دَبَّرَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ أَنَّهَا إِنِ ابْتَدَرَتْهُ بِالْكَلَامِ غَلَبَتْهُ، فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ حَتَّى قَالَ الْعَزِيزُ: ﴿اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٢٩]، ثُمَّ دَبَّرَ يُوسُفُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ السِّجْنِ بِذِكْرِ السَّاقِي فَغَلَبَ أَمْرُ اللَّهِ فَنَسِيَ السَّاقِي، ولبث يوسف في السجن بضع سنين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب