الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ "أَنَّهُ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِ "أَنَّهُ". وَ "آمَنَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ "يُؤْمِنَ" وَمَعْنَى الْكَلَامِ الْإِيَاسُ مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَاسْتِدَامَةُ كُفْرِهِمْ، تَحْقِيقًا لِنُزُولِ الْوَعِيدِ بِهِمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ لَمَّا أُخْبِرَ بِهَذَا فَقَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً﴾[[راجع ج ١٨ ص ٣١٢.]] [نوح: ٢٦] الْآيَتَيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ حَمَلَ ابْنَهُ عَلَى كَتِفِهِ، فَلَمَّا رَأَى الصَّبِيُّ نُوحًا قَالَ لِأَبِيهِ: اعْطِنِي حَجَرًا، فَأَعْطَاهُ حَجَرًا، وَرَمَى بِهِ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَدْمَاهُ، فَأَوْحَى الله تعالى إليه " أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ أَيْ فَلَا تَغْتَمَّ بِهَلَاكِهِمْ حَتَّى تَكُونَ بَائِسًا، أَيْ حَزِينًا. وَالْبُؤْسُ الْحُزْنُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَكَمْ مِنْ خَلِيلٍ أَوْ حَمِيمٍ رُزِئْتُهُ ... فَلَمْ أَبْتَئِسْ وَالرُّزْءُ فِيهِ جَلِيلٌ يُقَالُ: ابْتَأَسَ الرَّجُلُ إذا بلغه شي يَكْرَهُهُ. وَالِابْتِئَاسُ حُزْنٌ فِي اسْتِكَانَةٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا﴾ أَيِ اعْمَلِ السَّفِينَةَ لِتَرْكَبَهَا أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ مَعَكَ. "بِأَعْيُنِنا" أَيْ بِمَرْأًى مِنَّا وَحَيْثُ نَرَاكَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: بِحِفْظِنَا إِيَّاكَ حِفْظَ مَنْ يَرَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (بِحِرَاسَتِنَا)، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، فَعَبَّرَ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالْأَعْيُنِ، لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ بِهَا. وَيَكُونُ جَمْعُ الْأَعْيُنِ لِلْعَظَمَةِ لَا للتكثير، كما قال تعالى: ﴿فَنِعْمَ الْقادِرُونَ﴾[[راجع ج ١٩ ص ١٧٥.]] [المرسلات: ٢٣] "فَنِعْمَ الْماهِدُونَ" ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[[راجع ج ١٧ ص ٥٢.]] [الذاريات: ٤٧]. وَقَدْ يَرْجِعُ مَعْنَى الْأَعْيُنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا إِلَى مَعْنَى عَيْنٍ، كَمَا قَالَ: "وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي" [[راجع ج ١١ ص ١٩٥.]] وَذَلِكَ كُلُّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِدْرَاكِ وَالْإِحَاطَةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَوَاسِّ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّكْيِيفِ، لَا رَبَّ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى "بِأَعْيُنِنا" أَيْ بِأَعْيُنِ مَلَائِكَتِنَا الَّذِينَ جَعَلْنَاهُمْ عُيُونًا عَلَى حِفْظِكَ وَمَعُونَتِكَ، فَيَكُونُ الْجَمْعُ عَلَى هَذَا التَّكْثِيرِ عَلَى بَابِهِ. وَقِيلَ: "بِأَعْيُنِنا" أَيْ بِعِلْمِنَا، قَالَهُ مُقَاتِلٌ: وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَسُفْيَانُ: "بِأَعْيُنِنا" بِأَمْرِنَا. وَقِيلَ: بِوَحْيِنَا. وَقِيلَ: بِمَعُونَتِنَا لَكَ عَلَى صُنْعِهَا. "وَوَحْيِنا" أَيْ عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، مِنْ صَنْعَتِهَا. (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) أي لا تطلب إمهالهم فإني مغرقهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب