الباحث القرآني

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَقالَ الْمَلَأُ﴾ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: الْمَلَأُ الرُّؤَسَاءُ، أَيْ هُمْ مَلِيئُونَ بِمَا يَقُولُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٣ ص ٢٤٣]] وَغَيْرِهَا. (مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً) أَيْ آدَمِيًّا. (مِثْلَنا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَ "مِثْلَنا" مُضَافٌ إِلَى مَعْرِفَةٍ وَهُوَ نَكِرَةٌ يُقَدَّرُ فِيهِ التَّنْوِينُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ [[هو أبو محجن الثقفي وتمام البيت: بيضاء قد متعتها بطلاق الغريرة: المغترة بلين العيش. ومتعها: أعطاها ما تستمتع به عند طلاقها.]]: يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النِّسَاءِ غَرِيرَةٌ الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا﴾ أَرَاذِلُ جَمْعُ أَرْذُلٍ وَأَرْذُلٌ جَمْعُ رَذْلٍ، مِثْلُ كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ وَأَكَالِبَ. وَقِيلَ: وَالْأَرَاذِلُ جَمْعُ الْأَرْذَلِ، كَأَسَاوِدَ جَمْعُ الْأَسْوَدِ مِنَ الْحَيَّاتِ. وَالرَّذْلُ النَّذْلُ، أَرَادُوا اتَّبَعَكَ أَخِسَّاؤُنَا وَسَقَطُنَا وَسَفِلَتُنَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: نَسَبُوهُمْ إِلَى الْحِيَاكَةِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الصِّنَاعَاتِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الدِّيَانَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الأراذل هم الفقراء، والذين لأحسب لَهُمْ، وَالْخَسِيسُو الصِّنَاعَاتِ. وَفِي الْحَدِيثِ "أَنَّهُمْ كَانُوا حَاكَةً وَحَجَّامِينَ". وَكَانَ هَذَا جَهْلًا مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ عَابُوا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بِمَا لَا عَيْبَ فِيهِ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ تَغْيِيرُ الصُّوَرِ وَالْهَيْئَاتِ، وَهُمْ يُرْسَلُونَ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا، فَإِذَا أَسْلَمَ مِنْهُمُ الدَّنِيءُ لَمْ يَلْحَقْهُمْ مِنْ ذَلِكَ نُقْصَانُ، لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْبَلُوا إِسْلَامَ كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. قُلْتُ: الْأَرَاذِلُ هُنَا هُمُ الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ، كَمَا قَالَ هِرَقْلُ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقَالَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَقَالَ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِاسْتِيلَاءِ الرِّيَاسَةِ عَلَى الْأَشْرَافِ، وَصُعُوبَةِ الِانْفِكَاكِ عَنْهَا، وَالْأَنَفَةِ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلْغَيْرِ، وَالْفَقِيرُ خَلِيٌّ عَنْ تِلْكَ الْمَوَانِعِ، فَهُوَ سَرِيعٌ إِلَى الْإِجَابَةِ وَالِانْقِيَادِ. وَهَذَا غَالِبُ أَحْوَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا. الثَّالِثَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ السَّفِلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ السَّفِلَةَ هُمُ الَّذِينَ يَتَقَلَّسُونَ [[التقليس: استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو.]]، وَيَأْتُونَ أَبْوَابَ الْقُضَاةِ والسلاطين يطلبون الشهادات. وَقَالَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: السَّفِلَةُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِدِينِهِمْ [[كذا في ع، والذي في غيره بالإفراد.]]، قِيلَ لَهُ: فَمَنْ سَفِلَةُ السَّفِلَةِ؟ قَالَ: الَّذِي يُصْلِحُ دُنْيَا غَيْرِهِ بِفَسَادِ دينه. وسيل عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ السَّفِلَةِ فَقَالَ: الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا. وَقِيلَ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنِ السَّفِلَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَسُبُّ الصَّحَابَةَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْأَرْذَلُونَ الْحَاكَةُ وَالْحَجَّامُونَ. يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: الدَّبَّاغُ وَالْكَنَّاسُ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ. الرَّابِعَةُ- إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: يَا سَفِلَةُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ مِنْهُمْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي قَالَتْ لِي يَا سَفِلَةُ، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتُ سَفِلَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: مَا صِنَاعَتُكَ؟ قَالَ: سَمَّاكٌ، قَالَ: سَفِلَةٌ وَاللَّهِ، سَفِلَةٌ وَاللَّهِ [سَفِلَةٌ [[من ى.]]]. قُلْتُ: وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ لَا تُطَلَّقُ، وَكَذَلِكَ عَلَى قول مالك، وابن الأعرابي لا يلزمه شي. قوله تعالى: (بادِيَ الرَّأْيِ). أي الرَّأْيِ، وَبَاطِنُهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. يُقَالُ: بَدَا يَبْدُو إِذَا ظَهَرَ، كَمَا قَالَ: فَالْيَوْمَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ وَيُقَالُ لِلْبَرِيَّةِ بَادِيَةٌ لِظُهُورِهَا. وَبَدَا لِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، أَيْ ظَهَرَ لِي رَأْيٌ غَيْرَ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ فِيمَا يَبْدُو لَنَا مِنَ الرَّأْيِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "بادِيَ الرَّأْيِ" مِنْ بَدَأَ يَبْدَأُ وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ. وَحَقَّقَ أَبُو عَمْرٍو الْهَمْزَةَ فَقَرَأَ: "بَادِئَ الرَّأْيِ" أَيْ أَوَّلَ الرَّأْيِ، أَيِ اتَّبَعُوكَ حِينَ ابْتَدَءُوا يَنْظُرُونَ، وَلَوْ أَمْعَنُوا النَّظَرَ وَالْفِكْرَ لَمْ يَتَّبِعُوكَ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى هَاهُنَا بِالْهَمْزِ وَتَرْكِ الْهَمْزِ. وَانْتَصَبَ عَلَى حَذْفِ "فِي" كَمَا قَالَ عَزَّ وجل: ﴿وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ﴾[[راجع ج ٧ ص ٢٩٤.]] [الأعراف: ١٥٥]. (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أَيْ فِي اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا جَحْدٌ مِنْهُمْ لِنُبُوَّتِهِ ﷺ. (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) الْخِطَابُ لنوح ومن آمن معه [[في ع وي: به.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب