الباحث القرآني
سورة "الكافرون" وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ. وَمَدَنِيَّةٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقتادة والضحاك. وهي ست آيات. وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. وَفِي كِتَابِ (الرَّدِّ لِأَبِي بَكْرٍ الْأَنْبَارِيِّ): أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عن موسى ابن وَرْدَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: [(قل يا أيها الْكَافِرُونَ) تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ [. وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا عَنْ أَنَسٍ. وَخَرَّجَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفجر في سفر، فقرأ (قل يا أيها الْكَافِرُونَ). و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، ثُمَّ قَالَ: [قَرَأْتُ بِكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَرُبُعَهُ [. وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: [أَتُحِبُّ يَا جُبَيْرُ إِذَا خَرَجْتَ سَفْرًا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَمْثَلِ أَصْحَابِكَ هَيْئَةً وَأَكْثَرِهِمْ زَادًا [؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (فَاقْرَأْ هَذِهِ السُّوَرَ الْخَمْسَ مِنْ أَوَّلِ ﴿قُلْ يَا أيها الكافرون﴾ [الكافرون: ١] إلى- ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ [النَّاسِ: ١] وَافْتَتِحْ قِرَاءَتَكَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (. قَالَ: فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ غَيْرَ كَثِيرِ الْمَالِ، إذا سافرت أكون أبدهم [[بذ الهيئة: رثها.]] هَيْئَةً، وَأَقَلَّهُمْ زَادًا، فَمُذْ قَرَأْتُهُنَّ صِرْتُ مِنْ أَحْسَنِهِمْ هَيْئَةً، وَأَكْثَرِهِمْ زَادًا، حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ سفري ذلك.
وَقَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَوْصِنِي قَالَ: (أقرأ عند منامك (قل يا أيها الْكَافِرُونَ) فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ). خَرَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَشَدُّ غَيْظًا لِإِبْلِيسَ مِنْهَا، لِأَنَّهَا تَوْحِيدٌ وَبَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَ يقال ل (- قل يا أيها الكافرون)، و (قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الْمُقَشْقِشَتَانِ، أَيْ أَنَّهُمَا تُبَرِّئَانِ مِنَ النِّفَاقِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَمَا يُقَشْقِشُ الْهِنَاءُ [[الهناء (بالكسر): القطران.]] الْجَرَبَ فَيُبْرِئُهُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لِلْقُرْحِ وَالْجُدَرِيِّ إِذَا يَبِسَ وَتَقَرَّفَ، وَلِلْجَرَبِ فِي الْإِبِلِ إِذَا قَفَلَ [[قفل الجلد: يبس.]]: قَدْ تَوَسَّفَ جِلْدُهُ، وَتَقَشَّرَ جِلْدُهُ، وَتَقَشْقَشَ جِلْدُهُ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ (٤)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)
ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصَ ابن وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، وَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي أَمْرِنَا كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ خَيْرًا مِمَّا بِأَيْدِينَا، كُنَّا قَدْ شَارَكْنَاكَ فِيهِ، وَأَخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِأَيْدِينَا خَيْرًا مِمَّا بِيَدِكَ، كُنْتَ قَدْ شَرِكْتَنَا فِي أَمْرِنَا، وَأَخَذْتَ بِحَظِّكَ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَوْ اسْتَلَمْتَ [[استلم الحجر: لمسه بالقبلة أو باليد.]] بَعْضَ هَذِهِ الْآلِهَةِ لَصَدَّقْنَاكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِهَذِهِ السُّورَةِ فَيَئِسُوا مِنْهُ، وَآذَوْهُ، وَآذَوْا أَصْحَابَهُ. وَالْأَلِفُ واللام ترجع إلى معنى المعهود وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ صِفَةً لِأَيِّ، لِأَنَّهَا مُخَاطِبَةٌ لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ، فَهِيَ مِنَ الْخُصُوصِ الَّذِي جَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ. وَنَحْوُهُ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ: نَزَلَتْ جَوَابًا، وَعَنَى بِالْكَافِرِينَ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ. لَا جَمِيعَ الْكَافِرِينَ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، فَعَبَدَ اللَّهَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى كُفْرِهِ، وَهُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَقَرَأَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآنِ: قُلْ لِلَّذِينِ كَفَرُوا لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ، وَذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَضْعِيفٌ لِمَعْنَى هَذِهِ السُّورَةِ، وَإِبْطَالُ مَا قَصَدَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَذِلَّ نَبِيُّهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِخِطَابِهِ إِيَّاهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ الزَّرِيِّ، وَإِلْزَامِهِمْ مَا يَأْنَفُ مِنْهُ كُلُّ ذِي لُبٍّ وَحِجًا. وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَدَّعِيهِ مِنَ اللَّفْظِ الْبَاطِلِ، قِرَاءَتُنَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، وَتَزِيدُ تَأْوِيلًا لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ. فَمَعْنَى قِرَاءَتِنَا: قل للذين كفروا: يا أيها الْكَافِرُونَ، دَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا: أَنَّ الْعَرَبِيَّ إِذَا قَالَ لِمُخَاطَبِهِ قُلْ لِزَيْدٍ أَقْبِلْ إِلَيْنَا، فَمَعْنَاهُ قُلْ لِزَيْدٍ يَا زَيْدُ أَقْبِلْ إِلَيْنَا. فَقَدْ وَقَعَتْ قِرَاءَتُنَا عَلَى كُلِّ مَا عِنْدَهُمْ، وَسَقَطَ مِنْ بَاطِلِهِمْ أَحْسَنُ لَفْظٍ وَأَبْلَغُ مَعْنًى، إِذْ كَانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْتَمِدُهُمْ فِي نَادِيهِمْ، فيقول لهم: يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى الْكُفْرِ، وَيَدْخُلُوا فِي جُمْلَةِ أَهْلِهِ إِلَّا وَهُوَ مَحْرُوسٌ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ تَنْبَسِطَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ يَدٌ، أَوْ تَقَعَ بِهِ مِنْ جهتهم أذية. فمن لم يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَسْقَطَ آيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَسَبِيلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَلَّا يُسَارِعُوا إِلَى مِثْلِهَا، وَلَا يَعْتَمِدُوا نَبِيَّهُمْ بِاخْتِزَالِ الْفَضَائِلِ عَنْهُ، الَّتِي مَنَحَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، وَشَرَّفَهُ بِهَا. وَأَمَّا وَجْهُ التَّكْرَارِ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ فِي قَطْعِ أَطْمَاعِهِمْ، كَمَا تَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، ثُمَّ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ. قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَعَانِي: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ الْعَرَب، وَمِنْ مَذَاهِبِهِمُ التَّكْرَارُ إِرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَالْإِفْهَامِ، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمُ الِاخْتِصَارَ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالْإِيجَازِ، لِأَنَّ خُرُوجَ الْخَطِيبِ وَالْمُتَكَلِّمِ من شي إلى شي أولى من اقتصاره في المقام على شي وَاحِدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرحمن: ١٣]. فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المطففين: ١٠]. كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ: ٥ - ٤]. وفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: ٦ - ٥]. كُلُّ هَذَا عَلَى التَّأْكِيدِ.
وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: ارْمِ ارْمِ، أَعْجِلْ أَعْجِلْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي). خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ [[لفظ الحديث كما في صحيح مسلم (باب الفضائل): ( ... أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ على المنبر وهو يقول: إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم إلا أن يجب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) والبضعة (بالفتح وقد تكسر): القطعة من اللحم.]]. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
هَلَّا سَأَلْتَ جُمُوعَ كِنْدَةَ ... يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا
وَقَالَ آخَرُ:
يَا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا ... يَا لَبَكْرٍ أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَارُ [[البيت من أبيات المهلهل بن ربيعة قالها بعد أن أخذ بثأر أخيه كليب (راجع الشاهد العاشر بعد المائة في خزانة الأدب).]]
وَقَالَ آخَرُ:
يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ ... خَيْرُ تَمِيمٍ كُلِّهَا وَأَكْرَمَهْ
وَقَالَ آخَرُ:
يَا أَقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعِ [[البيت لجرير بن عبد الله البجلي. وقيل لعمرو بن خثارم البجلي.
(راجع خزانة الأدب في الشاهد الحادي والثمانين بعد الخمسمائة).]]
وَقَالَ آخَرُ:
أَلَا يَا اسْلَمِي ثم يا أسلمي ثمت اسلمي ... وثلاث تَحِيَّاتٍ وَإِنْ لَمْ تَكَلَّمِ
وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَقِيلَ: هَذَا عَلَى مُطَابَقَةِ قَوْلِهِمْ: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا وَنَعْبُدُ إلهك، ثم تعبد آلِهَتَنَا وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ، ثُمَّ تَعْبُدُ آلِهَتَنَا وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ، فَنَجْرِي عَلَى هَذَا أَبَدًا سَنَةً وَسَنَةً. فَأُجِيبُوا عَنْ كُلِّ مَا قَالُوهُ بِضِدِّهِ، أَيْ إِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتْ قُرَيْشُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: نَحْنُ نُعْطِيكَ مِنَ الْمَالِ مَا تَكُونُ بِهِ أَغْنَى رَجُلٍ بِمَكَّةَ، وَنُزَوِّجُكَ مَنْ شِئْتَ، وَنَطَأُ عَقِبَكَ، أَيْ نَمْشِي خَلْفَكَ، وَتَكُفُّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَنَحْنُ نَعْرِضُ عَلَيْكَ خَصْلَةً وَاحِدَةً هِيَ لَنَا وَلَكَ صَلَاحٌ، تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة، وَنَحْنُ نَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً [[في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي: ثُمَّ تَعْبُدُ آلِهَتَنَا، وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ، فَنَجْرِي عَلَى هذا أبدا: سنة وسنة، فنزلت ... إلخ.]]، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ. فَكَانَ التَّكْرَارُ فِي لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَرَّرُوا عَلَيْهِ مَقَالَهُمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: إِنَّمَا كُرِّرَ بِمَعْنَى التَّغْلِيظِ. وَقِيلَ: أَيْ لَا أَعْبُدُ السَّاعَةَ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ السَّاعَةَ مَا أَعْبُدُ. ثُمَّ قَالَ: وَلا أَنا عابِدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا عَبَدْتُّمْ. وَلا أَنْتُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَإِذَا مَلُّوا وَثَنًا، وَسَئِمُوا الْعِبَادَةَ لَهُ، رَفَضُوهُ، ثُمَّ أَخَذُوا وَثَنًا غَيْرَهُ بِشَهْوَةِ نُفُوسِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِحِجَارَةٍ تُعْجِبُهُمْ أَلْقَوْا هَذِهِ وَرَفَعُوا تِلْكَ، فَعَظَّمُوهَا وَنَصَّبُوهَا آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، فَأُمِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الْيَوْمَ مِنْ هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي بين أيدكم. ثُمَّ قَالَ: (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) وَإِنَّمَا تَعْبُدُونَ الْوَثَنَ الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ، وَهُوَ عِنْدَكُمُ الْآنَ. وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ أَيْ بِالْأَمْسِ مِنَ الْآلِهَةِ الَّتِي رَفَضْتُمُوهَا، وَأَقْبَلْتُمْ عَلَى هَذِهِ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
فَإِنِّي أَعْبُدُ إِلَهِي. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ في الاستقبال. وقوله: (وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ) عَلَى نَفْيِ العبادة منه لما عبدوا في الماضي. ثُمَّ قَالَ: (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) عَلَى التَّكْرِيرِ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّقَابُلَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ: وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا عَبَدْتُ، فَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ عَبَدْتُ إِلَى أَعْبُدُ، إِشْعَارًا بِأَنَّ مَا عُبِدَ فِي الْمَاضِي هُوَ الَّذِي يُعْبَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، مَعَ أَنَّ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ قَدْ يَقَعُ أَحَدُهُمَا مَوْقِعَ الْآخَرِ. وَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي أَخْبَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ: مَا أَعْبُدُ، وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أَعْبُدُ، لِيُقَابِلَ بِهِ وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ وَهِيَ أَصْنَامٌ وَأَوْثَانٌ، وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا إِلَّا (مَا) دُونَ (مَنْ) فَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي، لِيَتَقَابَلَ الْكَلَامُ وَلَا يَتَنَافَى. وَقَدْ جَاءَتْ (مَا) لِمَنْ يَعْقِلُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا. وَقِيلَ: إِنَّ معنى الآيات وتقديرها: قل يا أيها الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَعْبُدُهُ، لِإِشْرَاكِكُمْ بِهِ، وَاتِّخَاذِكُمُ الْأَصْنَامَ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ، فَأَنْتُمْ كَاذِبُونَ، لِأَنَّكُمْ تَعْبُدُونَهُ مُشْرِكِينَ. فَأَنَا لَا أَعْبُدُ مَا عَبَدْتُمْ، أَيْ مِثْلَ عِبَادَتِكُمْ، ف (ما) مصدرية. وكذلك وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْضًا، مَعْنَاهُ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مِثْلَ عِبَادَتِي، الَّتِي هي توحيد.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡكَـٰفِرُونَ","لَاۤ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ","وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ","وَلَاۤ أَنَا۠ عَابِدࣱ مَّا عَبَدتُّمۡ","وَلَاۤ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَاۤ أَعۡبُدُ"],"ayah":"وَلَاۤ أَنَا۠ عَابِدࣱ مَّا عَبَدتُّمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق