الباحث القرآني
قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ "إِلْفِهِمْ" سَاكِنَةَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ. وَكَذَلِكَ رَوَتْ أَسْمَاءُ أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقرأ "إلفهم". وروي عن ابن عباس وَغَيْرِهِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْوَلِيدُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَبُو حَيْوَةَ "إِلَافِهِمْ" مَهْمُوزًا مُخْتَلَسًا بِلَا ياء. وقرا أبو بكر عن عاصم (إيلافهم) بِهَمْزَتَيْنِ، الْأُولَى مَكْسُورَةٍ وَالثَّانِيَةِ سَاكِنَةٍ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي الْكَلِمَتَيْنِ شَاذٌّ. الْبَاقُونَ إِيلافِهِمْ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْإِيلَافِ الْأَوَّلِ لِلْبَيَانِ. وَهُوَ مَصْدَرُ آلَفَ: إِذَا جَعَلْتَهُ يَأْلَفُ. وَأَلِفَ هُوَ إِلْفًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، أَيْ وَمَا قَدْ أَلِفُوهُ مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. رَوَى ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ قَالَ: لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ رِحْلَةُ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، مِنَّةً مِنْهُ عَلَى قُرَيْشٍ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانَ أَصْحَابُ الْإِيلَافِ أَرْبَعَةَ إِخْوَةٍ: هَاشِمٌ، وَعَبْدُ شَمْسٍ، وَالْمُطَّلِبُ، وَنَوْفَلٌ، بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ. فَأَمَّا هَاشِمٌ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْلِفُ مَلِكَ الشَّامِ، أَيْ أَخَذَ مِنْهُ حَبْلًا وَعَهْدًا يَأْمَنُ بِهِ فِي تِجَارَتِهِ إِلَى الشَّامِ. وَأَخُوهُ عَبْدُ شَمْسٍ كَانَ يُؤْلِفُ إِلَى الْحَبَشَةِ. وَالْمُطَّلِبُ إِلَى الْيَمَنِ. وَنَوْفَلٌ إِلَى فَارِسَ. وَمَعْنَى يُؤْلِفُ يُجِيرُ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ يُسَمَّوْنَ الْمُجِيرِينَ. فَكَانَ تُجَّارُ قُرَيْشٍ يَخْتَلِفُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِحَبْلِ هؤلاء الاخوة، فلا يتعرض لهم. قال الأزهري: الْإِيلَافُ: شَبَّهَ الْإِجَارَةَ بِالْخَفَارَةِ [[في بعض نسخ الأصل: (الإجارة والخفارة) ولم نجد هذا في كتاب التهذيب للأزهري ولا في غيره من كتب اللغة. والإجارة: الإغاثة والحماية. والخفارة (مثلثة الخاء): الأمان.]]، يُقَالُ: آلَفَ يُؤْلِفُ: إِذَا أَجَارَ الْحَمَائِلَ بِالْخَفَارَةِ. وَالْحَمَائِلُ: جَمْعُ حَمُولَةٍ [[الحمولة (بالفتح): الإبل التي تحمل.]]. قَالَ: وَالتَّأْوِيلُ: أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا سُكَّانَ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَكَانُوا يَمِيرُونَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ آمِنِينَ، وَالنَّاسِ يُتَخَطَّفُونَ مِنْ حَوْلِهِمْ، فَكَانُوا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ عَارِضٌ قَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ، فَلَا يَتَعَرَّضُ النَّاسُ لَهُمْ. وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسِ بْنِ زَكَرِيَّا فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيِّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إلفهم رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا إِذَا أَصَابَتْ وَاحِدًا مِنْهُمْ [[المخمصة: المجاعة.]] مَخْمَصَةٌ، جَرَى هُوَ وَعِيَالُهُ إِلَى مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ، فَضَرَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِبَاءً فَمَاتُوا، حَتَّى كَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مناف، وكان سيدا في زَمَانِهِ، وَلَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ أَسَدٌ، وَكَانَ لَهُ تِرْبٌ [[الترب (بالكسر): اللدة ومساويك في السن ومن ولد معك.]] مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، يُحِبُّهُ وَيَلْعَبُ مَعَهُ. فَقَالَ لَهُ: نَحْنُ غَدًا نَعْتَفِدُ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هَذِهِ لَفْظَةٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَا أَدْرِي: بِالدَّالِ هِيَ أَمْ بِالرَّاءِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالرَّاءِ فَلَعَلَّهَا مِنَ الْعَفْرِ، وَهُوَ التُّرَابُ، وإن كان بِالدَّالِ، فَمَا أَدْرِي مَعْنَاهَا [[في اللسان مادة عفد: (الاعتفاد: أن يغلق الرجل بابه على نفسه فلا يسأل أحدا حتى يموت جوعا).]]، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَا أَظُنُّهُ: ذَهَابُهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْخِبَاءِ، وَمَوْتُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. قَالَ: فَدَخَلَ أَسَدٌ عَلَى أُمِّهِ يَبْكِي، وَذَكَرَ مَا قَالَهُ تِرْبُهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَتْ أُمُّ أَسَدٍ إِلَى أُولَئِكَ بِشَحْمٍ وَدَقِيقٍ، فَعَاشُوا بِهِ أَيَّامًا. ثُمَّ إِنَّ تِرْبَهُ أَتَاهُ أَيْضًا فَقَالَ: نَحْنُ غَدًا نَعْتَفِدُ، فَدَخَلَ أَسَدٌ عَلَى أَبِيهِ يَبْكِي، وَخَبَّرَهُ خَبَرَ تِرْبِهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَقَامَ خَطِيبًا فِي قُرَيْشٍ وَكَانُوا يُطِيعُونَ أَمْرَهُ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ حَدَثًا تَقِلُّونَ فِيهِ وَتَكْثُرُ الْعَرَبُ، وَتَذِلُّونَ وتعز العرب، وأنتم أهل حرم الله عز وجل، وَأَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ، وَالنَّاسُ لَكُمْ تَبَعٌ، وَيَكَادُ هَذَا الِاعْتِفَادُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: نَحْنُ لَكَ تبع. قال: ابتدءوا بِهَذَا الرَّجُلِ- يَعْنِي أَبَا تِرْبِ أَسَدٍ- فَأَغْنُوهُ عَنِ الِاعْتِفَادِ، فَفَعَلُوا. ثُمَّ إِنَّهُ نَحَرَ الْبُدْنَ، وَذَبَحَ الْكِبَاشَ وَالْمَعْزَ، ثُمَّ هَشَّمَ الثَّرِيدَ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ، فَسُمِّيَ هَاشِمًا. وَفِيهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَمْرُو الَّذِي [[في اللسان: (عمرو العلا ... )]] هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ [[مسنتون: أي أصابتهم السنة. والسنة: الجدب والقحط.]] عِجَافُ
ثُمَّ جَمَعَ كُلَّ بَنِي أَبٍ عَلَى رِحْلَتَيْنِ: فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ، وَفِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ لِلتِّجَارَاتِ، فَمَا رَبِحَ الْغَنِيُّ قَسَمَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَقِيرِ، حَتَّى صَارَ فَقِيرُهُمْ كَغَنِيِّهِمْ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ بَنُو أَبٍ أَكْثَرَ مَالًا وَلَا أَعَزَّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ قَوْلُ شَاعِرِهِمْ:
وَالْخَالِطُونَ فَقِيرَهُمْ بِغَنِيِّهِمْ ... حَتَّى يَصِيرَ فَقِيرُهُمْ كَالْكَافِي
فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَقَالَ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ بِصَنِيعِ هَاشِمٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أَنْ تَكْثُرَ الْعَرَبُ ويقلوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ رِحْلَةَ نُصِبَ بِالْمَصْدَرِ، أَيِ ارْتِحَالِهِمْ رِحْلَةَ، أَوْ بِوُقُوعِ إِيلافِهِمْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ. وَلَوْ جَعَلْتَهَا فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، عَلَى مَعْنَى هُمَا رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، لَجَازَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالرِّحْلَةُ الِارْتِحَالُ. وَكَانَتْ إِحْدَى الرِّحْلَتَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ فِي الشِّتَاءِ، لِأَنَّهَا بِلَادٌ حَامِيَةٌ، وَالرِّحْلَةُ الْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ، لِأَنَّهَا بِلَادٌ بَارِدَةٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: كَانُوا يَشْتُونَ بِمَكَّةَ لِدِفْئِهَا، وَيَصِيفُونَ بِالطَّائِفِ لِهَوَائِهَا. وَهَذِهِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَوْمِ نَاحِيَةُ حَرٍّ تَدْفَعُ عَنْهُمْ بَرْدَ الشِّتَاءِ، وَنَاحِيَةُ بَرْدٍ تَدْفَعُ عَنْهُمْ حَرَّ الصَّيْفِ، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ النِّعْمَةَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَشْتِي بِمَكَّةَ نَعْمَةٌ ... وَمَصِيفُهَا بِالطَّائِفِ
وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- اخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِإِيلافِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّورَةِ الْأُخْرَى- وَقَدْ قُطِعَ عَنْهُ بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ، وَاسْتِئْنَافِ بَيَانٍ وَسَطْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ جَوَازُ الْوَقْفِ فِي الْقِرَاءَةِ [[في ابن العربي: (في القرآن).]] لِلْقُرَّاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ، وَلَيْسَتِ الْمَوَاقِفُ الَّتِي يَنْتَزِعُ [[في ابن العربي: (تنزع).]] بِهَا الْقُرَّاءُ شَرْعًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَرْوِيًّا، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِهِ تَعْلِيمَ الطَّلَبَةِ الْمَعَانِيَ، فَإِذَا عَلِمُوهَا وَقَفُوا حَيْثُ شَاءُوا. فَأَمَّا الْوَقْفُ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّفْسِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا تُعِدْ مَا قَبْلَهُ إِذَا اعْتَرَاكَ ذَلِكَ، وَلَكِنِ ابْدَأْ مِنْ حَيْثُ وَقَفَ بِكَ نَفَسُكَ. هَذَا رَأْيِي فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا قَالُوهُ، بِحَالٍ، وَلَكِنِّي أَعْتَمِدُ الْوَقْفَ عَلَى التَّمَامِ، كَرَاهِيَةَ الْخُرُوجِ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا، قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ﷺ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثُمَّ يَقِفُ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ يَقِفُ. وَقَدْ مَضَى فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ [[راجع ج ١ ص ١٠ فيما بعد.]]. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الوقف عند قوله: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: ٥] لَيْسَ بِقَبِيحٍ. وَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ قَبِيحٌ وَهَذِهِ السُّورَةُ تُقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالَّتِي بَعْدَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَتَخَلَّلُهَا مِنْ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ أَرْكَانٌ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: ٥] انْتِهَاءُ آيَةٍ. فَالْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ: أَلَّا يَمْتَنِعَ الْوَقْفُ عِنْدَ أَعْجَازِ الْآيَاتِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَلَامُ يَتِمُّ، وَالْغَرَضُ يَنْتَهِي، أَوْ لَا يَتِمُّ، وَلَا يَنْتَهِي. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَوَاصِلَ حِلْيَةٌ وَزِينَةٌ لِلْكَلَامِ الْمَنْظُومِ، وَلَوْلَاهَا لَمْ يَتَبَيَّنِ الْمَنْظُومُ مِنَ الْمَنْثُورِ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَنْظُومَ أَحْسَنُ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَوَاصِلَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَنْظُومِ، فَمَنْ أَظْهَرَ فَوَاصِلَهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا فَقَدْ أَبْدَى مَحَاسِنَهُ، وَتَرْكُ الْوُقُوفِ يُخْفِي تِلْكَ الْمَحَاسِنَ، وَيُشَبِّهُ الْمَنْثُورَ بِالْمَنْظُومِ، وَذَلِكَ إِخْلَالٌ بِحَقِّ الْمَقْرُوءِ. الثَّانِيَةُ- قَالَ مَالِكٌ: الشِّتَاءُ نِصْفُ السَّنَةِ، وَالصَّيْفُ نِصْفُهَا، وَلَمْ أزل أرى ربيعة ابن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ [[هو ربيعة الرأى أدرك بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ والأكابر من التابعين وكان صاحب الفتوى بالمدينة وعنه أخذ مالك بن أنس وغيره. توفى سنة ١٣٦ هـ.]] وَمَنْ مَعَهُ، لَا يَخْلَعُونَ عَمَائِمَهُمْ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، وَهُوَ يَوْمُ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ، وَهُوَ يَوْمُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ عَدَدِ [[كذا في الأصول وابن العربي. أي من عدد شهورهم]] الرُّومِ أَوِ الْفَرَسِ. وَأَرَادَ [[كذا في ابن العربي. وفي نسخ الأصل: (وأرى).]] بِطُلُوعِ الثُّرَيَّا أَنْ يَخْرُجَ السُّعَاةُ، وَيَسِيرَ النَّاسُ بِمَوَاشِيهِمْ إِلَى مِيَاهِهِمْ، وَأَنَّ طُلُوعَ الثُّرَيَّا أَوَّلَ [[في ابن العربي: (قبل الصيف).]] الصَّيْفِ وَدُبُرَ الشِّتَاءِ. وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ وَحْدَهُ: إِذَا سَقَطَتِ الْهَقْعَةُ [[الهقعة: ثلاثة كواكب نيرة قريب بعضها من بعض فوق منكب الجوزاء، وهي منزل من منازل القمر.]] نَقَصَ اللَّيْلُ، فَلَمَّا جَعَلَ طُلُوعَ الثُّرَيَّا أَوَّلَ الصَّيْفِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي مُطْلَقِ السَّنَةَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الشِّتَاءَ مِنْ بَعْدِ ذَهَابِ الصَّيْفِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَمَّنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ امْرَأً حَتَّى يَدْخُلَ الشِّتَاءُ؟ فَقَالَ: لَا يُكَلِّمُهُ حَتَّى يَمْضِيَ سَبْعَةَ عشر من هاتور. ولو قال حتى يَدْخُلُ الصَّيْفُ، لَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى يَمْضِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ. قَالَ الْقُرَظِيُّ: أَمَّا ذِكْرُ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَشَنْسَ، فَهُوَ سَهْوٌ، إِنَّمَا هُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ بَشَنْسَ، لِأَنَّكَ إذ حسبت المنازل عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كُلَّ مَنْزِلَةٍ، عَلِمْتَ أَنَّ مَا بَيْنَ تسع عشرة من هاتور لا تنقضي منازله إِلَّا بِدُخُولِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ بَشَنْسَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- قَالَ قَوْمٌ: الزَّمَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شِتَاءٌ، وَرَبِيعٌ، وَصَيْفٌ، وَخَرِيفٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ شِتَاءٌ، وَصَيْفٌ، وَقَيْظٌ، وَخَرِيفٌ. وَالَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ أَصَحُّ، لِأَنَّ اللَّهَ قَسَمَ الزَّمَانَ قِسْمَيْنِ [[في الأصول: (لان قسمة الله الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثا) وهي غير مستقيمة. وفي ابن العربي (لأجل قسمة الله الزمان قسمين ... إلخ)]] وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمَا ثَالِثًا. الرَّابِعَةُ- لَمَّا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قُرَيْشٍ بِرِحْلَتَيْنِ، شِتَاءً وَصَيْفًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الرَّجُلِ فِي الزَّمَانَيْنِ بَيْنَ مَحِلَّيْنِ، يَكُونُ حَالُهُمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ أَنْعَمَ مِنَ الْآخَرِ، كَالْجُلُوسِ فِي الْمَجْلِسِ الْبَحْرِيِّ فِي الصَّيْفِ، وَفِي الْقِبْلِيِّ فِي الشِّتَاءِ، وَفِي اتِّخَاذِ الْبَادَهْنَجَاتِ [[في كتاب شفاء العليل للشهاب الخفاجي: (الباد هنج) معرب باد خون أو باد كير، منفذ الهواء في سقف البيت.]] وَالْخَيْشِ للتبريد، واللبد واليانوسة [[في ابن العربي: (اليانوس). ولم نجد في المعاجم العربية هذه المادة.]] للدفء.
{"ayah":"إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَاۤءِ وَٱلصَّیۡفِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق