الباحث القرآني

هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ طُبِعَ الْإِنْسَانُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكَنُودٌ لَكَفُورٌ جَحُودٍ لِنِعَمِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ. وَقَالَ: يَذْكُرُ الْمَصَائِبَ وَيَنْسَى النِّعَمَ. أَخَذَهُ الشَّاعِرُ فَنَظَمَهُ: يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ فِي فِعْلِهِ ... وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ إِلَى مَتَى أَنْتَ وَحَتَّى مَتَى ... تَشْكُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ! وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْكَنُودُ، هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ [[الرفد (بكسر الراء): العطاء والصلة.]]، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ). وَرَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ)؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ). خَرَّجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْكَنُودُ بِلِسَانِ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ: الْعَاصِي، وَبِلِسَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ: الْكَفُورُ. وَبِلِسَانِ كِنَانَةَ: الْبَخِيلُ السَّيِّئُ الْمَلَكَةِ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ: وَقَالَ الشَّاعِرُ: كَنُودٌ لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ وَمَنْ يَكُنْ ... كَنُودًا لِنَعْمَاءِ الرِّجَالِ يُبَعَّدِ أَيْ كَفُورٌ. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ الَّذِي يَكْفُرُ بِالْيَسِيرِ، وَلَا يَشْكُرُ الْكَثِيرَ. وَقِيلَ: الْجَاحِدُ لِلْحَقِّ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ كِنْدَةُ كِنْدَةَ، لِأَنَّهَا جَحَدَتْ أَبَاهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرْمَةَ الشَّاعِرُ: دَعِ الْبُخَلَاءَ إِنْ شَمَخُوا وَصَدُّوا ... وَذِكْرَى بُخْلِ غَانِيَةٍ كَنُودِ وَقِيلَ: الْكَنُودُ: مِنْ كَنَدَ إِذَا قَطَعَ، كَأَنَّهُ يَقْطَعُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَاصِلَهُ مِنَ الشُّكْرِ. وَيُقَالُ: كَنَدَ الْحَبْلَ: إِذَا قَطَعَهُ. قَالَ الْأَعْشَى: أَمِيطِي [[ماط الأذى ميطا وأماطه: نجاه ودفنه. يقول إن تنحيت عنى باني صلب الفؤاد وصول لمن وصل، كفور لمن كفر. ورواية صدر البيت في اللسان. فميطى أي تنحى واذهبي.]] تُمِيطِي بِصُلْبِ الْفُؤَادِ ... وَصُولِ حِبَالٍ وَكَنَّادِهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ. وَيُقَالُ: كَنَدَ يَكْنُدُ كُنُودًا: أَيْ كَفَرَ النِّعْمَةَ وَجَحَدَهَا، فَهُوَ كنود. وامرأة كنود أيضا، وكند مِثْلُهُ. قَالَ الْأَعْشَى: أَحْدِثْ لَهَا تُحْدِثُ لِوَصْلِكَ إِنَّهَا ... كُنُدٌ لِوَصْلِ الزَّائِرِ الْمُعْتَادِ [[المعتاد: الذي يعود مرة بعد أخرى.]] أَيْ كَفُورٌ لِلْمُوَاصَلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِنْسَانُ هُنَا الْكَافِرُ، يَقُولُ إِنَّهُ لَكَفُورٌ، وَمِنْهُ الْأَرْضُ الْكَنُودُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْكَنُودُ: الْمَانِعُ لِمَا عَلَيْهِ. وَأَنْشَدَ لِكَثِيرٍ:» أَحْدِثْ لَهَا تُحْدِثُ لِوَصْلِكَ إِنَّهَا ... كُنُدٌ لِوَصْلِ الزَّائِرِ الْمُعْتَادِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاسِطِيُّ: الْكَنُودُ: الَّذِي يُنْفِقُ نِعَمَ اللَّهِ فِي مَعَاصِي اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: الْكَنُودُ: الَّذِي يَرَى النِّعْمَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الَّذِي يَرَى النِّعْمَةَ وَلَا يَرَى الْمُنْعِمَ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: الْهَلُوعُ وَالْكَنُودُ: هُوَ الَّذِي إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعٌ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعٌ. وَقِيلَ: هُوَ الْحَقُودُ الْحَسُودُ. وَقِيلَ: هُوَ الْجَهُولُ لِقَدْرِهِ. وَفِي الْحِكْمَةِ: من جهل قدرة: هتك ستره. قُلْتُ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ. وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ ﷺ مَعْنَى الْكَنُودِ بِخِصَالٍ مَذْمُومَةٍ، وَأَحْوَالٍ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ أَعْلَى مَا يقال، ولا يبقى لاحد معه مقال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب