الباحث القرآني
ولَمّا كانَ حالُ مَن ضَلَّ عَلى عِلْمٍ أشْنَعَ، زادَ في فَضِيحَتِهِمْ فَقالَ: ﴿وما﴾ أيْ فَعَلُوا ذَلِكَ والحالُ أنَّهم ما. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ بُرُوزَ الأمْرِ المُطاعِ، لا تَعْيِينَ الآمِرِ، قالَ بَعْدَ وصْفِ الصُّحُفِ بِأنَّهُ ثَبَتَ أنَّها قِيمَةٌ بانِيًا لِلْمَفْعُولِ: ﴿أُمِرُوا﴾ أيْ وقَعَ أمْرُهم بِما أمَرُوا بِهِ مِمَّنْ إذا أطْلَقَ الأمْرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أنْ يَنْصَرِفَ إلّا إلَيْهِ، في تِلْكَ الكُتُبِ الَّتِي وجَبَ ثُبُوتُ اتِّباعِها وأذْعَنُوا [لَهُ] ﴿إلا لِيَعْبُدُوا﴾ أيْ لِأجْلِ أنْ يَعْبُدُوا ﴿اللَّهَ﴾ أيِ الإلَهُ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ولا أمْرَ لِأحَدٍ غَيْرِهِ بِأنْ يُوجِدُوا عِبادَتَهُ ويُجَدِّدُوها في كُلِّ وقْتٍ، والعِبادَةُ امْتِثالُ أمْرِ اللَّهِ تَعالى كَما أمَرَ عَلى الوَجْهِ المَأْمُورِ بِهِ مِن أجْلِ أنَّهُ آمِرٌ، مَعَ المُبادَرَةِ بِغايَةِ الحُبِّ والخُضُوعِ والتَّعْظِيمِ، وذَلِكَ مَعَ الِاقْتِصادِ لِئَلّا يَمَلَّ الإنْسانُ فَيُخِلَّ أوْ يَحْصُلَ لَهُ الإعْجابُ فَتَفْسَدَ عِبادَتُهُ، حالَ كَوْنِهِمْ ﴿مُخْلِصِينَ﴾ أيْ ثابِتًا غايَةَ الثَّباتِ إخْلاصُهم ﴿لَهُ الدِّينَ﴾ بِحَيْثُ لا يَكُونُ فِيهِ شَوْبُ شَيْءٍ مِمّا يُكَدِّرُهُ مِن شِرْكٍ جَلِيٍّ ولا خَفِيٍّ بِأنْ (p-١٩٣)يَكُونَ الِامْتِثالُ لِكَوْنِهِ أمَرَ لِرِضاهُ لا لِشَيْءٍ مِن نَفْعٍ ولا دَفْعٍ، ويَكُونُ ذَلِكَ عَلى الصَّوابِ، فَإنَّ كَثِيرًا مِنَ العامِلِينَ يَكُونُ مُخْلِصًا، ويَكُونُ بِناؤُهُ بِغَيْرِ أساسٍ صالِحٍ، فَلا يَنْفَعُهُ بَلْ يَكُونُ وبالًا عَلَيْهِ، فَإنَّهُ ضَيَّعَ الأصْلَ كالرُّهْبانِ وكَذا كَثِيرٌ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وِلايَةَ شَخْصٍ وهو لا يَعْرِفُ أنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ الوَلِيِّ والعَدُوِّ والمُكْرِمِ والمُسْتَدْرِجِ، وحَقِيقَةُ الإخْلاصِ بِأنَّهُ إفْرادُ الحَقِّ في الطّاعَةِ بِالقَصْدِ مَعَ نِسْيانِ الخُلُقِ في الأعْمالِ والتَّوَصُّلِ إلَيْهِ بِالتَّوَقِّي مِن مُلاحَظَتِهِمْ مَعَ التَّنَقِّي عَنْ مُطالَعَةِ النَّفْسِ بِرُؤْيَةِ العَبْدِ نَفْسِهِ عَبْدًا مَأْمُورًا لا يُرِيدُ ثَوابًا، جاعِلًا كُلَّ شَيْءٍ وسِيلَةً إلى اللَّهِ، وعَلامَتُهُ عَدَمُ رُؤْيَةِ العَمَلِ، ويُعْرَفُ ذَلِكَ بِالخَوْفِ وعَدَمِ الِالتِفاتِ إلى طَلَبِ الثَّوابِ، وبِالحَياءِ مِنهُ لِكَوْنِهِ يَرى أنَّهُ ما قامَ بِحَقِّ السَّيِّدِ عَلى ما يَنْبَغِي كَما قالَ تَعالى: ﴿يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهم وجِلَةٌ أنَّهم إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٠] قالَ القُشَيْرِيُّ: [ويُقالُ]: الإخْلاصُ تَصْفِيَةُ العَمَلِ مِنَ الخَلَلِ، وقالَ الرّازِيُّ: الإخْلاصُ النِّيَّةُ الصّافِيَةُ لِأنَّ [النِّيَّةَ] دائِمَةٌ، والعَمَلُ يَنْقَطِعُ، والعَمَلُ يَحْتاجُ إلى النِّيَّةِ، والنِّيَّةُ لا تَحْتاجُ إلى العَمَلِ، ولِأجْلِ ما أفْهَمَهُ التَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ مِنَ التَّمَكُّنِ والثَّباتِ أكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿حُنَفاءَ﴾ أيْ في غايَةِ المَيْلِ (p-١٩٤)مَعَ الدَّلِيلِ إلى القَوْمِ بِحَيْثُ لا يَكُونُ عِنْدَهُمُ اعْوِجاجٌ أصْلًا، بَلْ مَهْما حَصَلَ أدْنى زَيْغٍ عَرَضُوهُ عَلى الدَّلِيلِ فَمالُوا مَعَهُ بِما لَهم مِنَ الحَنَفِ فَقادَهم إلى الصَّلاحِ فَصارُوا في غايَةِ الِاسْتِقامَةِ، وتِلْكَ هي العِبادَةُ الإحْسانِيَّةُ، وأصْلُ الحَنَفِ في اللُّغَةِ: المَيْلُ، قالَ المَلْوِيُّ: وخَصَّهُ العُرْفُ بِالمَيْلِ إلى الخَيْرِ، ولِذا سُمِّيَ الأحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ [لِمَيْلٍ] في رِجْلَيْهِ إلى داخِلٍ مِن جِهَةِ القُدّامِ إلى الوَراءِ، وسَمُّوا المَيْلَ إلى الشَّرِّ إلْحادًا، فالحَنِيفُ المُطْلَقُ الَّذِي يَكُونُ مُتَبَرِّئًا عَنْ أُصُولِ المِلَلِ الخَمْسِ: اليَهُودِ والنَّصارى والصّابِئِينَ والمَجُوسِ والمُشْرِكِينَ، وعَنْ فُرُوعِها مِن جَمِيعِ النَّحْلِ إلى الِاعْتِقاداتِ الحَقَّةِ، وعَنْ تَوابِعِها مِنَ الخَطايا والسَّيِّئاتِ إلى العَمَلِ الصّالِحِ وهو مَقامٌ التُّقى، [و]، عَنِ المَكْرُوهاتِ إلى المُسْتَحَبّاتِ وهو المَقامُ الأوَّلُ مِنَ الوَرَعِ، وعَنِ الفُضُولِ شَفَقَةً عَلى خَلْقِ اللَّهِ وهو ما لا يَعْنِي إلى الَّذِي يَعْنِي، وهو المَقامُ [الثّانِي مِنَ الوَرَعِ، وعَمّا يَجُرُّ إلى الفُضُولِ وهُوَ] مَقامُ الزُّهْدِ، فالآيَةُ جامِعَةٌ لِمَقامَيِ الإخْلاصِ النّاظِرِ أحَدُهُما إلى الحَقِّ، والثّانِي إلى الخَلْقِ، فالإخْلاصُ لِمَقامِ المُشْتَغِلِ بِالمُصَفّى لَهُ لِأنَّهُ إفْرادُ الحَقِّ بِالقَصْدِ في الطّاعَةِ، والخَوْفِ لِمَقامِ المُشْتَغِلِ بِالمُصَفّى مِنهُ لِأنَّهُ المَيْلُ عَنْ سائِرِ المَخْلُوقاتِ إلى اللَّهِ تَعالى وإلى ما يُرْضِيهِ.
(p-١٩٥)ولَمّا ذَكَرَ أصْلَ الدِّينِ، أتْبَعَهُ الفُرُوعَ، فَبَدَأ بِأعْظَمِها الَّذِي هو مُجَمَّعُ الدِّينِ ومَوْضِعُ التَّجَرُّدِ عَنِ العَوائِقِ فَقالَ: ﴿ويُقِيمُوا﴾ أيْ يُعَدِّلُوا مِن غَيْرِ اعْوِجاجٍ ما، بِجَمِيعِ الشَّرائِطِ والأرْكانِ والحُدُودِ ﴿الصَّلاةَ﴾ لِتَصِيرَ بِذَلِكَ أهْلًا لِأنْ تَقُومَ بِنَفْسِها، وهي التَّعْظِيمُ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى.
ولَمّا ذَكَرَ صِلَةَ الخالِقِ، أتْبَعَها وصِلَةَ الخَلائِقِ فَقالَ: ﴿ويُؤْتُوا الزَّكاةَ﴾ [أيْ] بِأنْ يَحْضُرُوها لِمُسْتَحِقِّيها شَفَقَةً عَلى خَلْقِ اللَّهِ إعانَةً عَلى الدِّينِ، ولَكِنَّهم حَرَّفُوا ذَلِكَ وبَدَّلُوهُ بِطِباعِهِمُ المُعْوَجَّةِ، وتَدْخُلُ الزَّكاةُ عِنْدَ أهْلِ اللَّهِ في كُلِّ ما رَزَقَ اللَّهُ مِن عَقْلٍ وسَمْعٍ وبَصَرٍ ولِسانٍ ويَدٍ ورِجْلٍ ووَجاهَةٍ وغَيْرِ ذَلِكَ - كَما هو واضِحٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ [الأنفال: ٣]
ولَمّا كانَ هَذا دِينًا حَسَنًا [بَيِّنًا] فَضَّلُوا عَنْهُ عَلى [ما] عِنْدَهم مِنَ الأدِلَّةِ، زادَ في تَوْبِيخِهِمْ بِمَدْحِهِ فَقالَ: ﴿وذَلِكَ﴾ أيْ والحالُ أنَّ هَذا المَوْصُوفَ مِنَ العِبادَةِ عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ الَّذِي هو في غايَةِ العُلُوِّ والخَيْرِ ﴿دِينُ القَيِّمَةِ﴾ أيِ المِلَّةُ أوِ النُّفُوسُ أوِ الكُتُبُ الَّتِي لا عِوَجَ فِيها، وهو عَلى الأوَّلِ مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ، وعَنِ الخَلِيلِ أنَّهُ قالَ: هو جَمْعُ قَيِّمٍ، والقَيِّمُ والقائِمُ واحِدٌ، والمَعْنى دِينُ القائِمِينَ لِلَّهِ تَعالى بِالتَّوْحِيدِ، ودَلَّ عَلى ما قَدَّرَتْهُ في أمْرِ المُشْرِكِينَ بِذِكْرِهِمْ في نَتِيجَةِ ما (p-١٩٦)مَضى في قَوْلِهِ مُؤَكِّدًا لِأجْلِ إنْكارِهِمْ:
{"ayah":"وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ وَیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰلِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











