الباحث القرآني
(p-١٨٥)سُورَةُ لَمْ يَكُنْ وتُسَمّى القِيامَةُ والمُنْفَكِّينَ
مَقْصُودُها الإعْلامُ بِأنَّ هَذا الكِتابَ القَيِّمَ مِن عُلُوِّ مِقْدارِهِ وجَلِيلِ آثارِهِ أنَّهُ كَما أنَّهُ لِقَوْمِ نُورٌ وهُدًى فَهو لِآخَرِينَ وقَّرَ وعَمى، فَيَقُودُ إلى الجَنَّةِ دارِ الأبْرارِ، ويَسُوقُ إلّا النّارِ دارِ الأشْقِياءِ الفُجّارِ، وعَلى ذَلِكَ [دَلَّ] كُلُّ مِنَ أسْمائِها ”الَّذِينَ كَفَرُوا“ ”والمُنْفَكِّينَ“ بِتَأمُّلِ الآيَةِ في انْقِسامِ النّاسِ إلى أهْلِ الشَّقاوَةِ وأهْلِ السَّعادَةِ ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي لَهُ العُلُوُّ المُطْلَقُ فَلا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مُرادِهِ ”الرَّحِيم“ الَّذِي عَمَّ بِنِعْمَةِ إيجادِهِ وبَيانِهِ جَمِيعَ عِبادِهِ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ أهْلَ وِدادِهِ بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ المُتَكَلِّفَةِ بِإنْجاءِ العامِلِ بِها وإسْعادِهِ.
* * *
لَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّ اللَّيْلَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي صانَها بِنَوْعِ خَفاءٍ في تَنَزُّلِ مَن يَتَنَزَّلُ فِيها وفي تَعْيِينِها لا تَزالُ قائِمَةً عَلى ما لَها مِن تِلْكَ الصِّفَةِ حَتّى يَأْتِيَ الفَجْرُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ غايَةَ البَيانِ، أخْبَرَ أنَّ أهْلَ الأدْيانِ سَواءٌ كانَ لَها أصْلٌ مِنَ الحَقِّ أمْ لا لَمْ يَصِحَّ في العادَةِ الجارِيَةِ عَلى حِكْمَةِ الأسْبابِ في دارِ الأسْبابِ أنْ يَتَحَوَّلُوا عَمّا هم فِيهِ إلّا بِسَبَبٍ عَظِيمٍ (p-١٨٦)يَكُونُ بَيانُهُ أعَظُمَ مِن بَيانِ الفَجْرِ، وهو القُرْآنُ المَذْكُورُ في القَدَرِ والرَّسُولُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿لَمْ يَكُنِ﴾ أيْ في مُطْلَقِ الزَّمانِ الماضِي والحالِ والِاسْتِقْبالِ كَوْنًا هو كالجِبِلَّةِ والطَّبْعِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِن أنَّهم يُبَدِّلُونَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ أوِ الإيمانِ بِكُفْرٍ أوْ بِدْعَةٍ ثُمَّ لا يُثْبِتُونَ عَلَيْهِ [لِأنَّ] ذَلِكَ لَيْسَ في جِبِلّاتِهِمْ، وإنَّما هو خاطِرٌ عارِضٌ كَما هو مَحْكِيٌّ عَنْ سِيرَتِهِمْ مِن بَعْدِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام [لَمّا كانَتْ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ] كَما دَلَّ عَلى بَعْضِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعَمُوا وصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا﴾ [المائدة: ٧١] وكَذا المُشْرِكُونَ كانُوا يُبَدِّلُونَ دِينَ إسْماعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام ولا يَنْفَصِلُونَ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ، وتارَةً يَعْبُدُونَ الأصْنامَ، وتارَةَ المَلائِكَةِ، وأُخْرى الجِنُّ، ولَمْ يَكُونُوا يُثْبِتُونَ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ ثَباتًا كُلِّيًّا مِثْلَ ثَباتِهِمْ عَلى الإسْلامِ بَعْدَ مَجِيءِ البَيِّنَةِ ونِسْيانِهِمْ أُمُورَ الجاهِلِيَّةِ بِالكُلِّيَّةِ حَتّى نَسُوا المَيْسِرَ، فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِن أوْلادِهِمْ يَعْرِفُ كَيْفِيَّتَهُ وكَذا السّائِبَةُ وما مَعَها وغَيْرُها ذَلِكَ مِن خُرافاتِهِمْ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ سَواءٌ كانُوا عَرِيقِينَ في الكُفْرِ أمْ لا.
ولَمّا كانَ العالَمُ أوْلى بِاتِّباعِ الحَقِّ وأشَدَّ جُرْمًا عِنْدَ فِعْلٍ ما يَقْتَضِي اللَّوْمَ، بَدَأ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ أيْ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى الَّذِينَ كانَ أصْلَ دِينِهِمْ حَقًّا، فَألْحَدُوا فِيهِ بِالتَّبْدِيلِ والتَّحْرِيفِ والِاعْوِجاجِ (p-١٨٧)فِي صِفاتِ اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ تَعالى بِما شَرَعَ مِن مُخالَفَتِهِ في الفُرُوعِ ومُوافَقَتِهِ في الأُصُولِ فَكَذَّبُوا ﴿والمُشْرِكِينَ﴾ أيْ بِعِبادَةِ الأصْنامِ والنّارِ والشَّمْسِ ونَحْوَ ذَلِكَ مِمَّنْ هم عَرِيقُونَ في دِينٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أصْلٌ في الحَقِّ بِأنْ [لَمْ] يَكُنْ لَهم كِتابٌ ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ أيْ مُنْفَصِلِينَ زائِلِينَ عَمّا كانُوا عَلَيْهِ مِن دِينِهِمُ انْفِكاكًا يُزِيلُهم عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لا يَبْقى لَهم بِهِ عَلَقَةٌ، ويُثْبِتُونَ عَلى ذَلِكَ الِانْفِكاكَ، وأصْلُ الفَكِّ الفَتْحُ والِانْفِصالُ لَمّا كانَ مُلْتَحِمًا، مِن فَكِّ الكِتابِ والخَتْمِ والعَظْمِ - إذا زايَلَ ما كانَ مُلْتَصِقًا ومُتَّصِلًا بِهِ، أوْ عَمّا في أنْفُسِهِمْ مَن ظَنَّ اتِّباعَ الحَقِّ إذا جاءَهُمُ الرَّسُولُ المُبَشَّرُ بِهِ بِما كانَ أهْلُ الكِتابِ يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ والمُشْرِكُونَ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ ﴿لَئِنْ جاءَهم نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أهْدى مِن إحْدى الأُمَمِ﴾ [فاطر: ٤٢] فَيَصِيرُوا بِذَلِكَ أحْزابًا وفِرَقًا ﴿حَتّى﴾ أيْ [إلى] أنْ ﴿تَأْتِيَهُمُ﴾ عَبَّرَ بِالمُضارِعِ لِتُجَدِّدِ البَيانِ في كُلِّ وقْتٍ بِتَجَدُّدِ الرِّسالَةِ والتِّلاوَةِ ﴿البَيِّنَةُ﴾ أيِ الآيَةُ الَّتِي هي في البَيانِ كالفَجْرِ المُنِيرِ الَّذِي لا يَزْدادُ بِالتَّمادِي إلّا ظُهُورًا وضِياءً ونُورًا، وذَلِكَ هو الرَّسُولُ وما مَعَهُ مِنَ الآياتِ الَّتِي أعْظَمُها الكِتابُ سَواءٌ كانَ التَّوْراةَ أوِ الإنْجِيلَ أوِ الزَّبُورَ (p-١٨٨)أوِ الفَرْقانَ، ولِذَلِكَ أبْدَلَ مِنها قَوْلَهُ:
{"ayah":"لَمۡ یَكُنِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ مُنفَكِّینَ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











