الباحث القرآني
(p-١٧٦)سُورَةُ القَدْرِ مَقْصُودُها
تَفْصِيلُ الأمْرِ الَّذِي هو أحَدُ قِسْمَيْ ما ضَمِنَهُ مَقْصُودُ ”اقْرَأْ“ وعَلى ذَلِكَ دَلَّ اسْمُها لِأنَّ اللَّيْلَةَ فُضِّلَتْ بِهِ، فَهو مِن إطْلاقِ المُسَبِّبِ عَلى السَّبَبِ، وهو دَلِيلٌ لِمَن يَقُولُ بِاعْتِبارِ تَفْضِيلِ الأوْقاتِ لِأجْلِ ما كانَ فِيها، [كَما] قالَ ذَلِكَ اليَهُودِيُّ في اليَوْمِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وأفْرَدَهُ الفارُوقُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَلى ذَلِكَ وأعْلَمَهُ أنَّهُ صارَ لَنا عِيدَيْنِ: عِيدًا مِن جِهَةِ كَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وعِيدًا مِن جِهَةِ كَوْنِهِ يَوْمَ جُمْعَةٍ ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي جَلَّ أمْرُهُ وتَنَزَّهَ ذاتُهُ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي عَمَّتْ رَحْمَتُهُ فَبَدَعَتْ صِفاتُهُ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ أهْلَ التَّوْحِيدِ بِإتْمامِ النِّعْمَةِ فاخْتُصَّتْ بِهِمْ جَنّاتُهُ.
* * *
لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى كِتابَهُ في هَذا الذِّكْرِ العَرَبِيِّ المُعْجِزِ، ذَكَرَ إنْزالَهُ مُسْتَحْضِرًا في كُلِّ قَلْبٍ، كانَ ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنْ إعادَتِهِ بِصَرِيحِ اسْمِهِ، فَكانَ مَتى أضْمَرَهُ عِلْمُهُ المُخاطَبَ بِما في السِّياقِ مِنَ القَرائِنِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ، وبِما لَهُ في القَلْبِ مِنَ العَظَمَةِ وفي الذِّهْنِ مِنَ الحُضُورِ لا سِيَّما في هَذِهِ (p-١٧٧)السُّورَةِ لِافْتِتاحِ العَلَقِ بِالأمْرِ بِقِراءَتِهِ، وخَتَمَها بِالصَّلاةِ الَّتِي هي أعْظَمُ أرْكانِها، فَكانَتْ دَلالَتُها عَلَيْهِ دَلالَةً هي في غايَةِ الوُضُوحِ، فَكانَ كَأنَّهُ قالَ: واقْتَرَبَ بِقِراءَةِ القُرْآنِ في الصَّلاةِ، فَكانَ إضْمارُهُ أدَلَّ عَلى العَظَمَةِ الباهِرَةِ مِن إظْهارِهِ، لِدَلالَةِ الإضْمارِ عَلى أنَّهُ ما تَمَّ شَيْءٌ يُنْزِلُ غَيْرَهُ فَهو بِحَيْثُ لا يَحْتاجُ إلى التَّصْرِيحِ بِهِ، قالَ مُفَخِّمًا لَهُ بِأُمُورٍ: إضْمارُهُ، وإسْنادُ إنْزالِهِ إلَيْهِ، وجَعَلَ ذَلِكَ في مَظْهَرِ العَظَمَةِ، وتَعْظِيمِ وقْتِ إنْزالِهِ المُتَضَمِّنِ لِعَظَمَةِ البَلَدِ الَّذِي أنْزِلَ فِيهِ - عَلى قَوْلِ الأكْثَرِ، والنَّبِيُّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، مُؤَكِّدًا لِأجْلِ ما لَهم مِنَ الإنْكارِ،
﴿إنّا﴾ أيْ لِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿أنْـزَلْناهُ﴾ أيْ هَذا الذِّكْرُ كُلُّهُ مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إلى بَيْتِ العِزَّةِ مِنَ السَّماءِ [الدُّنْيا] مُرَتِّبًا هَذا التَّرْتِيبَ الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ الأُمَّةَ المَعْصُومَةَ عَلَيْهِ، وهو المَوْجُودُ الآنَ، وكَذا كانَ إنْزالُ أوَّلِ نَجْمٍ مِنهُ، وهو أوَّلُ السُّورَةِ الماضِيَةِ إنْزالًا مُصَدِّقًا لِأنَّ عَظَمَتَهُ مِن عَظَمَتِنا بِما لَهُ مِنَ الإعْجازِ في نَظْمِهِ، ومِن تَضاؤُلِ القُوى عَنِ الإحاطَةِ بِعِلْمِهِ، وأوَّلُ ما أُنْزِلَ مِنهُ صَدْرُها إلى خَمْسِ آياتٍ مِنها [آخِرُها] ”ما لَمْ يَعْلَمْ“ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وهو مُجاوِرٌ في هَذا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ بِجَبَلِ حِراءٍ مِن جِبالِ مَكَّةَ المُشَرَّفَةَ، ثُمَّ صارَ يَنْزِلُ مُفَرَّقًا بِحَسَبَ الوَقائِع حَتّى تَمَّ في ثَلاثٍ وعِشْرِينَ سَنَةً، وكُلَّما نَزَلَ مِنهُ نَجْمٌ يَأْمُرُ النَّبِيَّ ﷺ (p-١٧٨)بِتَرْتِيبِهِ في سُورَتِهِ عَنْ أمْرِ اللَّهِ تَعالى حَتّى تَمَّ في السُّوَرِ عَلى ما هو عَلَيْهِ الآنَ ما هو عَلَيْهِ في بَيْتِ العِزَّةِ.
ولَمّا عَظَّمَهُ بِما ذَكَرَ، زادَهُ عِظَمًا بِالوَقْتِ الَّذِي اخْتارَ إنْزالُهُ فِيهِ لِيَكُونَ طالِعُهُ سَعِيدًا لَمّا كانَ أثَرُهُ حَمِيدًا فَقالَ: ﴿فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ أيِ اللَّيْلَةِ الَّتِي لَها قَدْرٌ عَظِيمٌ وشَرَفٌ كَبِيرٌ، والأعْمالُ فِيها ذاتُ قَدْرٍ وشَرَفٍ، فَكانَتْ بِذَلِكَ كَأنَّها مُخْتَصَّةٌ بِالقَدَرِ فَلا قَدَرَ لِغَيْرِها.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: ورَدَّ تَعْرِيفًا بِإنْزالِ ما تَقَدَّمَ الأمْرُ بِقِراءَتِهِ لِما قَدَّمَتِ الإشارَةُ إلى عَظِيمِ أمْرِ الكُتُبِ، وأنَّ السُّلُوكَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ إنَّما هو مِن ذَلِكَ البابِ، أعْلَمَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِلَيْلَةِ إنْزالِهِ وعَرَفْنا بِقَدَرِها لِنَعْتَمِدَها في مَظانِّ دُعائِنا وتُعَلِّقِ رَجائِنا ونَبْحَثُ في الِاجْتِهادِ في العَمَلِ لَعَلَّنا نُوافِقُها وهي كالسّاعَةِ في يَوْمِ الجُمْعَةِ في إبْهامِ أمْرِها مَعَ جَلِيلِ قَدْرِها ومِن قَبِيلِ الصَّلاةِ الوُسْطى، ولِلَّهِ سُبْحانَهُ في إخْفاءِ ذَلِكَ أعْظَمُ رَحْمَةٍ، وكانَ في التَّعْرِيفِ بِعَظِيمِ قَدْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ التَّعْرِيفُ بِجَلالَةِ المَنزِلِ فِيها، فَصارَتْ سُورَةُ القَدْرِ مِن تَمامِ ما تَقَدَّمَ ووَضَحَ اتِّصالُها - انْتَهى.
{"ayah":"إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ فِی لَیۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق