الباحث القرآني
ولَمّا كانَ الَّذِي تَقَدَّمَ نَهْيُ النّاهِي لِلْمُصَلِّي والسَّفْعُ بِناصِيَتِهِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ وأمْرُهُ بِدُعاءِ نادِيهِ، وكانَ الحُكْمُ في الأوَّلِ أنَّهُ لا يُجِيبُهُ إلى تَرْكِ الصَّلاةِ، وفي الثّانِي أنَّ النّاهِيَ لا يَنْتَهِي عَنْ عِصْيانِهِ بِالتَّهْدِيدِ وأنَّهُ لا يُفِيدُهُ [دُعاءُ] نادِيهِ، فالكُلّ مَنفِيٌّ، حَسَنٌ كُلَّ الحُسْنِ الإتْيانُ بِأداةِ الرَّدْعُ فَقالَ: ﴿كَلا﴾ أيْ لا يَقْدِرُ عَلى دُعاءِ نادِيهِ ولا يَنْتَهِي عَنْ أذاهُ لِلْمُطِيعِ بِالتَّهْدِيدِ فَلْيَرْتَدِعْ عَنْ كُلٍّ [مِن] ذَلِكَ.
ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما أفْعَلُ؟ قالَ مَعْرُفًا أنَّ مَن عَلِمَ أنَّ (p-١٧٣)طَبْعَ الزَّمانِ وأهْلِهِ الفَسادُ، وجَبَ [عَلَيْهِ] الإقْبالُ [عَلى شَأْنِهِ] والإعْراضُ عَنْ سائِرِ العِبادِ ﴿لا تُطِعْهُ﴾ أيْ في نَهْيِهِ لَكَ عَنِ الطّاعَةِ بِالصَّلاةِ أوْ غَيْرِها.
ولَمّا كانَ نَهْيُهُ عَنِ الصَّلاةِ الَّتِي هي عِمادُ الدِّينِ، وكانَتِ الصَّلاةُ يُعَبَّرُ عَنْها بِالسُّجُودِ لِأنَّهُ - مَعَ أنَّهُ جُزْؤُها - هو أشْرَفُها، وهو أيْضًا يُطْلَقُ عَلى مُطْلَقِ العِبادَةِ، قالَ تَعالى مُشِيرًا إلى النَّصْرِ لَهُ ﷺ ولِأتْباعِهِ عَلى كُلِّ مَن يَمْنَعُهم عِبادَتُهُ: ﴿واسْجُدْ﴾ أيْ دُمْ عَلى صَلاتِكَ وخُضُوعِكَ بِنَفَسِكَ وجَدِّدْ ذَلِكَ في كُلِّ وقْتٍ. ولَمّا كانَ السُّجُودُ أقْرَبَ مُقَرَّبٍ لِلْعَبْدِ إلى اللَّهِ قالَ: ﴿واقْتَرِبْ﴾ أيِ اجْتَهِدْ بِسِرِّكَ في بُلُوغِ دَرَجَةِ القُرْبِ إلى رَبِّك والتَّحَبُّبِ إلَيْهِ بِكُلِّ عِبادَةٍ لا سِيَّما الصَّلاةُ فَإنَّهُ أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ، وقَدْ شَرَحَ هَذا المَقامَ كَما تَقَدَّمَ في الفاتِحَةِ قَوْلُهُ ﷺ ”أعُوذُ بِعَفْوِكَ [مِن] عُقُوبَتِكَ“ فَإنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ أفادَتْ - كَما قالَ الإمامُ الغَزالِيُّ في كِتابِ الشُّكْرِ - مُشاهَدَةَ أفْعالِ اللَّهِ فَقَطْ، فَكَأنَّهُ لَمْ يَرَ إلّا اللَّهَ وأفْعالَهُ، فاسْتَعاذَ بِفِعْلِهِ مَن فِعْلِهِ، قالَ: ثُمَّ اقْتَرَبَ فَفَنِيَ في مُشاهَدَةِ الأحْوالِ، وتَرَقّى إلى مَصادِرِ الأفْعالِ، وهي الصِّفاتُ، فَقالَ: «أعُوذُ بِرِضاكَ مِن سَخَطِكَ» وهُما صِفَتانِ، ثُمَّ رَأى ذَلِكَ نُقْصانًا في التَّوْحِيدِ (p-١٧٤)فاقْتَرَبَ وتَرَقّى مِن [مَقامِ] مُشاهَدَةِ الصِّفاتِ إلى مُشاهَدَةِ الذّاتِ فَقالَ «وأعُوذُ بِكَ مِنكَ» فِرارًا مِنهُ إلَيْهِ مِن غَيْرِ رُؤْيَةِ فِعْلٍ وصِفَةٍ، ولَكِنَّهُ رَأى نَفْسَهُ فارًّا مِنهُ إلَيْهِ ومُسْتَعِيذًا ومُثْنِيًا فَفَنِيَ عَنْ مُشاهَدَةِ نَفْسِهِ إذا رَأى ذَلِكَ نُقْصانًا فاقْتَرَبَ فَقالَ «أنْتَ كَما أثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ» فَقَوْلُهُ: ”لا أُحْصِي“ [خَبَّرَ عَنْ -] فَناءَ نَفْسِهِ وخُرُوجِهِ عَنْ مُشاهَدَتِها، وقَوْلُهُ: ”[أنْتَ] كَما أثْنَيْتَ“ بَيانُ أنَّهُ المُثْنِي والمُثْنى عَلَيْهِ، وأنَّ الكُلَّ مِنهُ بَدَأ وإلَيْهِ يَعُودُ، وأنَّ كُلَّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ، فَكانَ أوَّلُ مَقامِهِ نِهايَةَ مَقاماتِ المُوَحِّدِينَ وهو أنْ لا يُرى إلّا اللَّهُ وأفْعالُهُ فَيَسْتَعِيذُ بِفِعْلٍ مِن فِعْلٍ، فانْظُرْ إلى ماذا انْتَهَتْ نِهايَتُهُ إذا انْتَهى إلى الواحِدِ الحَقِّ حَتّى ارْتَفَعَ مِن نَظَرِهِ ومُشاهَدَتِهِ سِوى الذّاتِ الحَقِّ، ولَقَدْ كانَ ﷺ لا يَرْقى مِن مَرْتَبَةٍ إلى أُخْرى إلّا ويَرى الأُولى بُعْدًا بِالإضافَةِ إلى الثّانِيَةِ، فَكانَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الأُولى، ويَرى ذَلِكَ نَقْصًا في سُلُوكِهِ وتَقْصِيرًا في مَقامِهِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ ﷺ: «إنَّهُ لَيُغانِ عَلى قَلْبِي حَتّى أسْتَغْفِرَ اللَّهَ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً» فَكانَ [ذَلِكَ] لِتَرَقِّيهِ إلى سَبْعِينَ مَقامًا بَعْضُها يُعَدُّ نَقْصًا لِنَقْصِ أوائِلِها وإنْ كانَ مُجاوِزًا أقْصى غاياتِ مَقاماتِ الخَلْقِ، ولَكِنْ كانَ نُقْصانًا بِالإضافَةِ إلى أواخِرِها، فَكانَ اسْتِغْفارُهُ لِذَلِكَ.
(p-١٧٥)ولَمّا قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ، فَما هَذا البُكاءُ في السُّجُودِ وما هَذا الجُهْدُ الشَّدِيدُ؟ قالَ: ”أفَلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»“ مَعْناهُ: أفَلا أكُونُ طالِبًا لِلْمَزِيدِ في المَقاماتِ، فَإنَّ الشُّكْرَ سَبَبُ الزِّيادَةِ حَيْثُ قالَ تَعالى ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] انْتَهى.
وهُوَ عَلى ما تَرى مِنَ النَّفاسَةِ فَمَن أكْثَرَ مِنَ الدُّعاءِ في سُجُودِهِ فَقُمْنَ أنْ يُسْتَجابَ لَهُ، والصَّلاةُ لا تَكُونُ إلّا بِالقِراءَةِ فَإذا فَعَلْتَ ذَلِكَ احْتَجَبْتَ عَنِ الأغْيارِ بِحِجابٍ مَنِيعٍ، فازْدَدْتَ صَفاءً وصُنْتَ حالَكَ عَنِ الغَيْرِ - كَما يُرْشِدُ إلَيْهِ ما في صُحُفِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلام ”يَنْبَغِي لِلْعاقِلِ أنْ يَكُونَ حافِظًا لِلِسانِهِ عارِفًا بِزَمانِهِ مُقْبِلًا عَلى شَأْنِهِ - واللَّهُ أعْلَمُ“ فَقَدْ رَجَعَ آخِرُها إلى الأوَّلِ، عَلى أحْسَنِ وجْهٍ وأجْمَلَ وأكْمَلَ - واللَّهُ الهادِي.
{"ayah":"كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











