الباحث القرآني
(p-١٥١)سُورَةُ العَلَقِ
وتُسَمّى اقْرَأْ.
مَقْصُودُها الأمْرُ لا سِيَّما لِلْمَقْصُودِ بِالتَّفْضِيلِ في سُورَةِ التِّينِ بِعِبادَةِ مَن لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ، شُكْرًا لِإحْسانِهِ واجْتِنابًا لِكُفْرانِهِ وطَمَعًا في جِنانِهِ وخَوْفًا مِن نِيرانِهِ، لِما ثَبَتَ أنَّهُ يُدِينُ العِبادَ يَوْمَ المَعادِ، وكُلٌّ مِنَ اسْمَيْها دالٌّ عَلى ذَلِكَ لِأنَّ المُرَبِّيَ يَجِبُ شُكْرَهُ، ويُحَرِّمُ غايَةَ التَّحْرِيمِ كُفْرَهُ، عَلى أنْ ”اقْرَأْ“ يُشِيرُ إلى الأمْرِ، ”والعَلَقِ“ يُشِيرُ إلى الخَلْقِ، و”اقْرَأْ“ يَدُلُّ عَلى البِدايَةِ وهي العِبادَةُ بِالمُطابَقَةِ، وعَلى النِّهايَةِ وهي النَّجاةُ يَوْمَ الدِّينِ بِاللّازِمِ، والعَلَقُ يَدُلُّ عَلى كُلٍّ مِنَ النِّهايَةِ ثُمَّ البِدايَةِ بِالِالتِزامِ، لِأنَّ مَن عَرَفَ أنَّهُ مَخْلُوقٌ مِن دَمٍ عَرِفَ أنَّ خالِقَهُ قادِرٌ عَلى إعادَتِهِ مِن تُرابٍ، فَإنَّ التُّرابَ أقْبَلُ لِلْحَياةِ مِنَ الدَّمِ، ومِن صَدَقَ [بِالإعادَةِ] عَمِلَ لَها، وخَصَّ العَلَقَ لِأنَّهُ مَرْكَّبُ الحَياةِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ نَفْسًا ”بِسْمِ اللَّهِ“ الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ فاسْتَحَقَّ التَّفَرُّدَ بِالإلَهِيَّةِ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي عَمَّتْ نِعْمَتُهُ فاسْتَوْجَبَ بِالشُّكْرِ مِن سائِرِ البَرِيَّةِ ”الرَّحِيم“ الَّذِي وفَّقَ مَن شاءَ (p-١٥٢)مِن خَواصِّهِ لِما أنالَهم بِهِ المَواهِبَ السِّنِّيَّةَ والعَطايا الوَفِيَّةَ.
* * *
لِما أمَرَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في الضُّحى بِالتَّحْدِيثِ بِنِعْمَتِهِ، وذَكَّرَهُ بِمَجامِعِها في ﴿ألَمْ نَشْرَحْ﴾ [الشرح: ١] فَأنْتَجَ ذَلِكَ إفْرادَهُ بِما أمَرَهُ بِهِ في خَتْمِها مِن تَخْصِيصِهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْهِ، فَدَلَّ في الزَّيْتُونِ عَلى أنَّهُ أهْلٌ لِذَلِكَ لِتَمامِ قُدْرَتِهِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنهُ أنَّهُ لا قُدْرَةَ لِغَيْرِهِ إلّا بِهِ، فَأنْتَجَ ذَلِكَ تَمامَ الحِكْمَةِ فَأثْمَرَ قَطْعًا البَعْثَ لِلْجَزاءِ فَتَشَوَّفَ السّامِعُ إلى ما يُوجِبُ حُسْنَ الجَزاءِ في ذَلِكَ اليَوْمِ وبِأيِّ وسِيلَةٍ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ المَلِكِ الأعْلى في يَوْمِ الجَمْعِ الأكْبَرِ مِن خِصالِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ، فَأرْشَدَ إلى ذَلِكَ في هَذِهِ السُّورَةِ، فَقالَ بادِئًا بِالتَّعْرِيفِ بِالعِلْمِ الأصْلِيِّ ذاكِرًا أصْلَ مَن خَلَقَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ وبَعْضَ أطْوارِهِ الحَسَنَةِ والقَبِيحَةِ تَعْجِيبًا مِن تَمامِ قُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وتَنْبِيهًا عَلى تَعَرُّفِها وإنْعامِ النَّظَرِ فِيها، وقَدَّمَ الفِعْلَ العامِلَ في الجارِّ والمَجْرُورِ هُنا لِأنَّهُ أوْقَعَ في النَّفْسِ لِكَوْنِها أوَّلَ ما نَزَلَ فَكانَ الأمْرُ بِالقِراءَةِ أهَمَّ: ﴿اقْرَأْ﴾ وحُذِفَ مَفْعُولُهُ إشارَةً إلى أنَّهُ لا قِراءَةَ إلّا بِما أمَرَهُ بِهِ، وهي الجَمْعُ الأعْظَمُ، فالمَعْنى: أوْجَدَ القِراءَةَ لِما لا مَقْرُوءَ غَيْرَهُ، وهو القُرْآنُ الجامِعُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وأفْصَحَ لَهُ بِأنَّهُ لا يَقْدِرُ (p-١٥٣)عَلى ذَلِكَ إلّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ الَّذِي أدَّبَهُ فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، ورَبّاهُ فَأحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ، فَقالَ ما أرْشَدَ المَعْنى إلى [أنَّ] تَقْدِيرَهُ: حالَ كَوْنِكَ مُفْتَتِحًا القِراءَةَ ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أيْ بِأنْ تُبَسْمِلَ، أوْ مُسْتَعِينًا بِالمُحْسِنِ إلَيْكَ لِما لَهُ مِنَ الأسْماءِ الحُسْنى والصِّفاتِ العُلى بِما خَصَّكَ بِهِ في ﴿ألَمْ نَشْرَحْ﴾ [الشرح: ١] أوْ بِذِكْرِ اسْمِهِ، والمُرادُ عَلى هَذا بِالِاسْمِ الصِّفاتُ العُلى، وعَبَّرَ بِهِ لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِن حُسْنِ الِاسْمِ حُسْنِ مَدْلُولِهِ، ومِن تَعْظِيمِ الِاسْمِ تَعْظِيمِ المُسَمّى وجَمِيعِ ما يَتَّصِفُ بِهِ ويُنْسَبُ إلَيْهِ، قالُوا: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ القِراءَةَ لا تَكُونُ تامَّةً إلّا بِالتَّسْمِيَةِ، ولِكَوْنِهِ في سِياقِ الأمْرِ بِالطّاعَةِ الدّاعِي إلَيْها تَذَكُّرُ النِّعَمِ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْمَ الأعْظَمَ الجامِعَ، وذَكَرَ صِفَةَ الإحْسانِ بِالتَّرْبِيَةِ الجامِعِ لِما عَداهُ وتَأْنِيسًا لَهُ ﷺ لِكَوْنِهِ أوَّلَ ما نَزَلَ حِينَ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، فَكانَ يَخْلُو بِنَفْسِهِ يَتَعَبَّدُ بِرَبِّهِ في غارِ حِراءَ، فَجاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِخَمْسِ آياتٍ مِن أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إلى قَوْلِهِ ﴿ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٥] ولِهَذا السِّرِّ ساقَهُ مَساقَ البَسْمَلَةِ بِعِبارَةٍ هي أكْثَرُ تَأْنِيسًا في أوَّلِ الأمْرِ وأبْسَطِ مِنها، فَأشارَ إلى الِاسْمِ الأعْظَمِ بِما في مَجْمُوعِ الكَلامِ مِن صِفاتِ الكَمالِ، وأشارَ إلى عُمُومِ مِنَّةِ الرَّحْمَنِ بِصِفَةِ الخَلْقِ المُشارِ إلى تَعْمِيمِها بِحَذْفِ المَفْعُولِ، وإلى خُصُوصِ صِفَةِ الرَّحِيمِ بِالأكْرَمِيَّةِ الَّتِي مِن شَأْنِها (p-١٥٤)بُلُوغُ النِّهايَةِ، وذَلِكَ لا يَكُونُ بِدُونِ إفاضَةِ العَمَلِ بِما يُرْضِي، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْكَرامَةِ الدّائِمَةِ، وبِالتَّعْلِيمِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَهْدِيَ إلى الرِّضْوانِ، وأشارَ إلى الِاسْتِعاذَةِ بِالأمْرِ بِالقُرْآنِ لِما أفْهَمَهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [الإسراء: ٤٥] [أيْ مِن شَياطِينِ الإنْسِ والجِنِّ-] ﴿حِجابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]
ولَمّا خَصَّهُ تَشْرِيفًا بِإضافَةِ هَذا الوَصْفِ الشَّرِيفِ إلَيْهِ، وصَفَهُ عَلى جِهَةِ العُمُومِ بِالخَلْقِ والأمْرِ إعْلامًا بِأنَّ لَهُ التَّدْبِيرَ والتَّأْثِيرَ، وبَدَأ بِالخَلْقِ لِأنَّهُ مَحْسُوسٌ بِالعَيْنِ، فَهو أعْلَقُ بِالفَهْمِ، وأقْرَبُ إلى التَّصَوُّرِ، وأدَلُّ عَلى الوُجُودِ وعَظِيمِ القُدْرَةِ وكَمالِ الحِكْمَةِ، فَكانَتِ البُداءَةُ بِهِ في هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي هي أوَّلُ ما نَزَلَ أنْسَبُ الأُمُورِ لِأنَّ أوَّلَ الواجِباتِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ، وهي بِالنَّظَرِ إلى أفْعالِهِ في غايَةِ الوُضُوحِ فَقالَ: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وحَذْفُ مَفْعُولِهِ إشارَةً إلى أنَّهُ لَهُ هَذا الوَصْفُ وهو التَّقْدِيرُ والإيجادُ عَلى وفْقِ التَّقْدِيرِ الآنَ وفِيما يَكُونُ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَدْخُلُ في الوُجُودِ فَهو مِن صُنْعِهِ ومُتَرَدِّدٌ بَيْنَ إذْنِهِ ومَنعِهِ وضُرِّهِ ونَفْعِهِ.
{"ayah":"ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











