الباحث القرآني

ولَمّا كانَ أعْجَبُ أُمُورِها الفُجُورُ لِما غَلَبَ سُبْحانَهُ عَلَيْها مِنَ الحُظُوظِ والشَّهَواتِ، وهي تَعْلَمُ بِما لَها مِن زاجِرِ العَقْلِ بِصَحِيحِ النَّقْلِ أنَّ الفُجُورَ (p-٧٧)أقْبَحُ القَبِيحِ، والتَّقْوى لِما أقامَ عَلَيْها مِن [مِلْكِ] العَقْلِ المَلَكِيِّ وغَرِيزَةِ العِلْمِ النَّوْرانِيِّ أحْسَنُ الحُسْنِ، وتَذَوُّق أنَّ الفُجُورَ أشْهى شَهِيٍّ، وأنَّ التَّقْوى أمَرُّ شَيْءٍ وأصْعَبُهُ، وأثْقَلُهُ وأتْعَبُهُ، قالَ مُعَلِّمًا أنَّ هَذا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سِواهُ لِأنَّهُ أعْجَبُ مِن جَمِيعِ ما مَضى لِأنَّ البَهِيمَةَ لا تُقْدِمُ عَلى ما يَضُرُّها وهي تُبْصِرُ ولَوْ قَطَعَتْ، والآدَمِيُّ يُقْدِمُ عَلى ما يَضُرُّهُ وهو يَعْلَمُ ويُقاتِلُ مَن مَنَعَهُ مِنهُ، فَقالَ مُسَبِّبًا عَمّا حَذَفَ مِن جَوابِ القَسَمِ: ﴿فَألْهَمَها﴾ أيِ النَّفْسُ إلْهامَ الفِطْرَةِ السّابِقَةِ الأوْلى قَبْلُ ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] ﴿فُجُورَها﴾ أيِ انْبِعاثُها في المَيْلِ [مَعَ] دَواعِي الشَّهَواتِ وعَدَمِ الخَوْفِ الحامِلِ عَلى خَرْقِ سِياجِ الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الطَّبْعِ الَّذِي عَدَلَ فِيهِ ذاتُها وصِفاتُها في قَسْرِ المُتَنافِراتِ عَلى التَّمازُجِ غايَةَ التَّعْدِيلِ ﴿وتَقْواها﴾ أيْ خَوْفُها الَّذِي أوْجَبَ سُكُونُها وتُحْرِزُها بِوِقاياتُ الشَّرِيعَةِ، فالآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ذِكْرُ الفُجُورِ أوَّلًا دالٌّ عَلى السُّكُونِ الَّذِي هو ضِدَّهُ ثانِيًا، وذِكْرُ التَّقْوى ثانِيًا دالٌّ عَلى ضِدِّهِ، وهو عَدَمُ الخَوْفِ أوَّلًا، وإلْهامُها لِلْأمْرَيْنِ هو جَعْلُهُ لَها عارِفَةً بِالخَيْرِ والشَّرِّ مُسْتَعِدَّةً ومُتَهَيِّئَةً لِكُلٍّ مِنهُما؛ ثُمَّ زادَ ذَلِكَ بِالبَيانِ التّامِّ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لُبْسٌ، فَزالَتْ (p-٧٨)الشُّبَهُ عَقْلًا بِالغَرِيزَةِ والإلْهامِ ونَقْلًا بِالرِّسالَةِ والإعْلامِ. ودَلَّ بِالإضافَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنسُوبٌ إلَيْها ومَكْتُوبٌ عَلَيْها وإنْ كانَ بِخُلُقِهِ وتَقْدِيرِهِ لِأنَّهُ أوْدَعَها قُوَّةً وجَعَلَ لَها اخْتِيارًا صالِحًا لِكُلٍّ مِنَ النَّجْدَيْنِ، وأوْضَحَ أمْرَ النَّجْدَيْنِ في الكُتُبِ وعَلى ألْسِنَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعْدَ ما وهَبَهُ لَها مِنَ الفِطْرَةِ القَوِيمَةِ وأخْفى عَنْها سِرَّ القَضاءِ والقُدْرَةِ وعِلْمَ العاقِبَةِ، فَأقامَ بِذَلِكَ عَلَيْها الحُجَّةَ وأوْضَحَ المَحَجَّةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب