الباحث القرآني

﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أيْ أوْقَعُوا تَكْذِيبَهُ بِسَبَبِ طُغْيانِهِمْ وعَقِبَ أمْرِهِ هَذا الأخِيرِ فِيما حَذَّرَ مِن حُلُولِ العَذابِ، أوْ تَكُونُ الفاءُ هي الفَصِيحَةُ أيْ قالَ لَهم ذَلِكَ فَكانَتْ [بَعْدَهُ] بَيْنَهُ وبَيْنَهم في أمْرِها أُمُورٌ، فَأوْقَعُوا تَكْذِيبَهُ فِيها كُلَّها ﴿فَعَقَرُوها﴾ أيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّكْذِيبِ بَعْضُهم بِالفِعْلِ وبَعْضُهم بِالرِّضا بِهِ ﴿فَدَمْدَمَ﴾ أيْ عَذَّبَ عَذابًا تامًّا مُجَلِّلًا مُغَطِّيًا مُطْبَقًا مُسْتَأْصَلًا شَدَخَ بِهِ رُؤُوسُهم وأسْرَعَ في الإجْهازِ وطَحَنَهم طَحْنًا مَعَ الغَضَبِ الشَّدِيدِ؛ قالَ الرّازِيُّ: والدَّمْدَمَةُ: تَحْرِيكُ البِناءِ حَتّى يَنْقَلِبَ، ودَلَّ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ عَلى شِدَّتِهِ وإحاطَتِهِ فَقالَ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ ودَلَّ عَلى شِدَّةِ العَذابِ لِشِدَّةِ الغَضَبِ بِلَفْتِ القَوْلِ بِذِكْرِ صِفَةِ الإحْسانِ الَّتِي كَفَرُوها لِأنَّهُ لا أشَدَّ غَضَبًا مِمَّنْ (p-٨٣)كَفَرَ إحْسانُهُ فَقالَ: ﴿رَبُّهُمْ﴾ أيِ الَّذِي أحْسَنَ إلَيْهِمْ فَغَرَّهم إحْسانُهُ فَقَطَعَهُ عَنْهم فَعادُوا كَأمْسِ الدّابِرِ ﴿بِذَنْبِهِمْ﴾ أيْ بِسَبَبِهِ. ولَمّا اسْتَوَوْا في الظُّلْمِ والكُفْرِ بِسَبَبِ عَقْرِ النّاقَةِ بَعْضُهم بِالفِعْلِ وبَعْضُهم بِالرِّضا والحَثِّ، قالَ مُسَبِّبًا عَنْ ذَلِكَ [ومُعَقِّبًا]: ﴿فَسَوّاها﴾ أيِ الدَّمْدَمَةِ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَها كَأنَّها أرْضٌ بُولِغَ في تَعْدِيلِها فَلَمْ يَكُنْ فِيها شَيْءٌ [خارِجٌ عَنْ شَيْءٍ كَما] سَوّى الشَّمْسَ المُقْسَمِ بِها وسَوّى بَيْنِ النّاسِ فِيها، [وكَذا] ما أقْسَمَ بِهِ بَعْدَها، فَكانَتِ الدَّمْدَمَةُ عَلى قَوِيِّهِمْ كَما كانَتْ عَلى ضَعِيفِهِمْ، فَلَمْ تَدْعُ مِنهم أحَدًا ولَمْ يَتَقَدَّمْ هَلاكُ أحَدٍ مِنهم عَلى أحَدٍ، بَلْ كانُوا كُلُّهم كَنَفْسٍ واحِدَةٍ مِن قُوَّةِ الصَّعْقَةِ وشِدَّةِ الرَّجْفَةِ كَما أنَّهُمُ اسْتَوُوا في الكُفْرِ والرِّضا بِعُقْرِ النّاقَةِ وكُلُّ نَفْسٍ هي عِنْدَ صاحِبِها كالنّاقَةِ قَدْ أوْصى اللَّهُ صاحِبها أنْ يَرْعى نِعْمَتَهُ سُبْحانَهُ فِيها فَيُزَكِّيها ولا يُدَسِّيها، فَإنَّ النّاقَةَ عِبارَةٌ عَنْ مَطِيَّةٍ يَقْطَعُ عَلَيْها السَّيْرَ حِسًّا أوْ مَعْنًى، وذَلِكَ صالِحٌ لِأنْ يُرادُ بِهِ النَّفْسُ الَّتِي تَقْطَعُ بِها عَقَباتُ الأعْمالِ، والسُّقْيا ما يَعِيشُ المَسْقِيُّ بِهِ، وهو صالِحٌ لِأنْ يُرادُ بِهِ الذِّكْرُ والعِبادَةُ، فَمَن لَمْ يَرْعَ النِّعْمَةَ ويَشْكُرِ المُنْعِمَ فَقَدْ عَقَرَها، فاسْتَحَقَّ الدَّمْدَمَةَ مِنهُ، وكَما أنَّهُ سَوّى بَيْنَهم في الدَّمْدَمَةِ سَوّى بَيْنَ المُهْتَدِينَ في النَّجاةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب