الباحث القرآني

(p-٦٩)سُورَةُ الشَّمْسِ مَقْصُودُها إثْباتُ تَصَرُّفِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في النُّفُوسِ الَّتِي هي سَرْجُ الأبْدانِ، تَقُودُها إلى سَعادَةٍ أوْ كَيْدٍ وهَوانٍ ونَكَدٍ، كَما أنَّ الشَّمْسَ سِراجُ الفُلْكِ، يَتَصَرَّفُ سُبْحانَهُ في النُّفُوسِ بِالِاخْتِيارِ إضْلالًا وهِدايَةً ونَعِيمًا وشَقاوَةً تَصَرُّفُهُ سُبْحانَهُ في الشَّمْسِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِن صِحَّةٍ واعْتِلالٍ، وانْتِظامٍ واخْتِلالٍ، وكَذا في جَمِيعِ الأكْوانِ، بِما لَهُ مِن عَظِيمِ الشَّأْنِ، واسْمُها الشَّمْسُ واضِحُ الدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ بِتَأمُّلِ القَسَمِ [والمُقْسَمِ عَلَيْهِ] بِما أعْلَمَ بِهِ وأشارَ إلَيْهِ ”بِسْمِ اللَّهِ“ [الَّذِي هُوَ] المَلِكُ الأعْظَمُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ العامُّ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي وسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ فَإلَيْهِ الإنْعامُ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ مَن شاءَ بِالتَّوْفِيقِ فَبَنى إنْعامَهُ عَلَيْهِمْ عَلى التَّمامِ. * * * لَمّا أثْبَتَ في سُورَةِ البَلَدِ أنَّ الإنْسانَ في كَبَدٍ، وخَتَمَها بِأنَّ مِن حادَ عَنْ سَبِيلِهِ [كانَ] في أنْكَدِ النَّكَدِ، وهو النّارُ المُؤْصَدَةُ، أقْسَمَ أوَّلَ هَذِهِ عَلى أنَّ الفاعِلَ لِذَلِكَ أوَّلًا وآخِرًا هو اللَّهُ سُبْحانَهُ [لِأنَّهُ] يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وبَيْنَ القَلْبِ ولُبِّهِ، فَقالَ مُقْسِمًا بِما يَدُلُّ عَلى تَمامِ عِلْمِهِ (p-٧٠)وشُمُولِ قُدْرَتِهِ في الآفاقِ عُلْوِيِّها وسُفْلِيِّها، والأنْفُسُ سَعِيدُها وشَقِيُّها، وبَدَأ بِالعالَمِ العُلْوِيِّ، فَأفادَ ذَلِكَ قَطْعًا العِلْمَ بِأنَّهُ الفاعِلُ المُخْتارُ، وعَلى العِلْمِ بِوُجُوبِ ذاتِهِ وكَمالِ صِفاتِهِ، وذَلِكَ أقْصى دَرَجاتِ القُوى النَّظَرِيَّةِ، تَذْكِيرًا بِعَظائِمِ آلائِهِ، لِيَحْمِلَ عَلى الِاسْتِغْراقِ في شُكْرِ نَعْمائِهِ، الَّذِي هو مُنْتَهى [كِمالاتِ] القُوى العَمَلِيَّةِ، مَعَ أنَّ أوَّلَ المُقْسَمِ بِهِ مُذَكِّرٌ بِما خَتَمَ بِهِ آخِرُ تِلْكَ مِنَ النّارِ: ﴿والشَّمْسِ﴾ أيِ الجامِعَةُ بَيْنَ النَّفْعِ والضُّرِّ بِالنُّورِ والحَرِّ، كَما أنَّ العُقُولَ كَذَلِكَ لا أنْوَرَ مِنها إذا نارَتْ، ولا أظْلَمَ مِنها إذا بارَتْ ﴿وضُحاها﴾ أيْ [و] ضَوْئِها النّاشِئُ عَنْ جِرْمِها العَظِيمِ الشَّأْنِ البَدِيعِ التَّكْوِينِ المُذَكِّرِ بِالنِّيرانِ إذا أشْرَقَتْ وقامَ سُلْطانُها كَإشْراقِ أنْوارِ العُقُولِ، والضُّحى - بِالضَّمِّ والقَصْرِ: صَدْرُ النَّهارِ حِينَ ارْتِفاعِهِ، وبِالفَتْحِ والمَدِّ: شِدَّةُ الحَرِّ [بَعْدَ امْتِدادِ النَّهارِ، وشَيْءٌ ضاحٍ - إذا ظَهَرَ لِلشَّمْسِ والحَرِّ].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب