الباحث القرآني

ولَمّا أفْهَمَتْ هَذِهِ الحالُ أنَّ القَسَمَ إنَّما هو في الحَقِيقَةِ بِهِ ﷺ، كَرَّرَ الإقْسامَ بِهِ عَلى وجْهٍ يَشْمَلُ غَيْرَهُ فَقالَ: ﴿ووالِدٍ﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ التَّعْجِيبَ مِنَ ابْتِداءِ الخَلْقِ بِالتَّوْلِيدِ مِن كُلِّ حَيَوانٍ في جَمِيعِ أمْرِ التَّوْلِيدِ ومِمّا عَلَيْهِ الإنْسانُ مِنَ النُّطْقِ والبَيانِ وغَرِيبِ الفَهْمِ وكانَ السِّياقُ لِذَمِّ أُولِي الأنْفُسِ الأمّارَةِ، وكانُوا هم أكْثَرَ النّاسِ، حُسْنُ التَّعْبِيرِ بِأداةٍ ما لا يَعْقِلُ لِأنَّها مِن أدَواتِ التَّعْجِيبُ فَقالَ: ﴿وما ولَدَ﴾ أيْ مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى كائِنًا مَن كانَ، فَدَخَلَ كَما مَضى النَّبِيُّ ﷺ فَصارَ مُقْسِمًا بِهِ مِرارًا، وكَذا دَخَلَ أبَواهُ إبْراهِيمُ ووَلَدُهُ إسْماعِيلُ (p-٤٩)عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ وما صَنَعا وما صَنَعَ اللَّهُ لَهُما بِذَلِكَ البَلَدِ، ومَعْلُومٌ أنَّ ذِكْرَ الصَّنْعَةِ تَنْبِيهٌ عَلى صانِعِها، فالمَقْصُودُ القَسَمُ بِمَن جَعَلَ البَلَدَ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ الجَلالِ، وخَصَّ النَّبِيَّ ﷺ بِما خَصَّهُ بِهِ مِنَ الإرْسالِ، وفاوَتَ بَيْنَ المُتَوالِدِينَ في الخِصالِ، مِنَ النَّقْصِ والكَمالِ وسائِرِ الأحْوالِ، تَنْبِيهًا عَلى ما لَهُ مِنَ الكَمالِ بِالجَلالِ والجَمالِ، ولَعَلَّهُ خَصَّ هَذِهِ الأشْياءَ بِالإقْسامِ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، وتَثْبِيتًا لَهُ عَلى احْتِمالِ الأذى، إشارَةً إلى أنَّ مَن كانَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأنَّهُ لا يَزالُ في نَكَدٍ، كانَ الَّذِي يَنْبَغِي [لَهُ] أنْ يَخْتارَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّكَدَ فِيما يُرْضِي اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى، وذَلِكَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ في مَكَّةَ المُشَرَّفَةَ في أعْظَمِ شِدَّةٍ مِمّا يُعانِيهِ مِن أذى الكُفّارِ في نَفْسِهِ وأصْحابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم لِعُلُوِّ مَقامِهِ، فَإنَّ شِدَّةَ البَلاءِ لِلْأمْثَلِ فالأمْثَلِ كَما مَضى مَعَ أمْرِهِ ﷺ بِالصَّبْرِ والصَّفْحِ، وكُلُّ والِدٍ ومَوْلُودٍ في شِدَّةٍ بِالوالِدِيَّةِ والمَوْلُودِيَّةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يُحْصى مِنَ الأنْكادِ البَشَرِيَّةِ، مِن حِينٍ هو نُطْفَةٌ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ في ضِيقِ مَمَرٍّ ومَقَرٍّ ثُمَّ وِلادَةٍ ورَبْطٍ في تابُوتٍ وفِطامٍ عَنِ الإلْفِ والأهْلِ؟ مِنَ المُؤَدِّبِ (p-٥٠)والمُعَلِّمِ وتَوْبِيخٍ مِنَ المَشايِخِ ومُعانَدَةٍ مِنَ الأقْرانِ، ومَن يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ مِنَ النِّسْوانِ، مَعَ أنَّهُ عُرْضَةٌ لِلْأمْراضِ، وسائِرِ ما يَكْرَهُ مِنَ الأعْراضِ والأغْراضِ، والفاقاتِ والنَّوائِبِ والآفاتِ، والمَطالِبِ والحاجاتِ، لا يَحْظى بِهَواهُ، ولا يَبْلُغُ مُناهُ، ولا يُدْرِكُ ما اجْتَباهُ، ولا يَنْجُو غالِبًا مِمّا يَخْشاهُ، وتَفاصِيلُ هَذا الإجْمالِ لا تُحْصى، ولا حَدَّ لَها فَتُسْتَقْصى، إلى المَوْتِ وما بَعْدَهُ، فَلِذَلِكَ كانَ المُقْسِمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب