الباحث القرآني

ولَمّا عَظُمَ البَلَدُ بِالإقْسامِ بِهِ، زادَهُ عِظَمًا بِالحالِ بِهِ إشْعارًا بِأنَّ (p-٤٧)شَرَفَ المَكانِ بِشَرَفِ السُّكّانِ، وذَلِكَ في جُمْلَةٍ حالِيَّةٍ فَقالَ: ﴿وأنْتَ﴾ يَعْنِي وأنْتَ خَيْرُ كُلِّ حاضِرٍ وبادٍ ﴿حِلٌّ﴾ أيْ مُقِيمٍ أوْ حَلّالٍ لَكَ ما لَمْ يَحِلْ لِغَيْرِكَ مِن قَتْلِ مَن تُرِيدُ مِمَّنْ يَدَّعِي أنَّهُ لا قُدْرَةَ لِأحَدٍ عَلَيْهِ ﴿بِهَذا البَلَدِ﴾ فَتَحِلُّ قَتْلَ ابْنِ خَطَلٍ وغَيْرِهِ وإنْ كانَ مُتَعَلِّقًا بِأسْتارِ الكَعْبَةِ، وتُحَرِّمُ قَتْلَ مَن دَخَلَ دارَ أبِي سُفْيانَ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا فَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ بَعْدَ الهِجْرَةِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ المَكِّيَّةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ عَلَمًا مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ، أوْ مَعْنًى: يَسْتَحِلُّ أهْلُهُ مِنكَ وأنْتَ أشْرَفُ الخَلْقِ ما لا يَسْتَحِلُّونَهُ مِن صَيْدٍ ولا شَجَرٍ، وكَرَّرَ إظْهارَهُ ولَمْ يُضْمِرْهُ زِيادَةً في تَعْظِيمِهِ تَقْبِيحًا لِما يَسْتَحِلُّونَهُ مِن أذى المُؤْمِنِينَ فِيهِ، وإشارَةً إلى أنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِذِكْرِهِ، فَقَدْ وقَعَ القَسَمُ بَسَيِّدِ البِلادِ وسَيِّدِ العِبادِ، ولِكُلِّ جِنْسٍ [سَيِّدٌ]، وهو انْتِهاؤُهُ في الشَّرَفِ، فَأشْرَفُ الجَمادِ الياقُوتُ وهو سَيِّدُهُ، ولَوِ ارْتَفَعَ عَنْ هَذا الشَّرَفِ لَصارَ نَباتًا يَنْمُو كَما في الجَنَّةِ، وأشْرَفُ جِنْسِ النَّباتِ النَّخْلُ [ولَوِ] ارْتَفَعَ صارَ حَيَوانًا يَتَحَرَّكُ بِالإرادَةِ، فالحَيَوانُ سَيِّدُ الأكْوانِ، وسَيِّدُهُ الإنْسانُ، لِما لَهُ مِنَ النُّطْقِ والبَيانِ، وسَيِّدُ الإنْسانِ الرُّسُلُ عَلَيْهِمْ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، لِما لَهم مِن عَظِيمِ الوَصْلَةِ بِالمَلِكِ الدَّيّانِ، وسَيِّدُهم أشْرَفُ الخَلْقِ ﷺ الَّذِي خَتَمُوا بِهِ لِما فاقَ بِهِ مِنَ الفَضائِلِ الَّتِي أعْلاها هَذا القُرْآنُ فَسَيِّدُ الخَلْقِ (p-٤٨)مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ أشْرَفُ المُمَكَّناتِ وسَيِّدُها لِأنَّهُ وصَلَ إلى أعْلى مَقامٍ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لَها، ولَوْ بَقِيَ فَوْقَ ذَلِكَ مَقامٌ يُمْكِنُ لِلْمُمْكِنِ لِنَقَلَ إلَيْهِ، ولِكَوْنِهِ أشْرَفَ كانَتْ مُكابَدَتُهُ أعْلى المُكابَداتِ، يَصْبِرُ عَلى أذى قَوْمِهِ بِالكَلامِ الَّذِي هو أنْفَذُ مِنَ السِّهامِ، ووَضَعَ السِّلاءَ مِنَ الجَزُورِ عَلى ظَهْرِهِ الشَّرِيفِ - نَفْدِيهِ بِحُرِّ وُجُوهِنا ومَصُونِ جِباهِنا وخُدُودِنا - وهو ساجِدٌ، ووَضْعُ الشَّوْكِ في طَرِيقِهِ، والإجْماعُ عَلى قَصْدِهِ بِجَمِيعِ أنْواعِ الأذى مِنَ الحَبْسِ والنَّفْيِ والقَتْلِ بِحَيْثُ قالَ ﷺ «ما أُوذِيَ أحَدٌ في اللَّهِ ما أُوذِيتُ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب