الباحث القرآني

(p-٤٥)سُورَةُ البَلَدِ مَقْصُودُها الدَّلالَةُ عَلى نَفْيِ القُدْرَةِ عَنِ الإنْسانِ، وإثْباتُها لِخالِقِهِ الدَّيّانِ بِذِكْرِ المُخْلِصِ مِنها، المُوصِلِ إلى السَّعادَةِ في الآخِرَةِ، وهو ما هَدى إلَيْهِ رَبُّهُ سُبْحانَهُ، وذَلِكَ هو مَعْنى اسْمِها، فَإنَّ مِن تَأمُّلِ أمانِ أهْلِ الحَرَمِ وما هم فِيهِ مِنَ الرِّزْقِ والخَيْرِ عَلى قِلَّةِ الرِّزْقِ بِبَلَدِهِمْ - مَعَ ما فِيهِ غَيْرُهم مِمَّنْ هم أكْثَرُ مِنهم وأقْوى - مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ عُلِمَ ذَلِكَ ”بِسْمِ اللَّهِ“ المَلِكُ الواحِدُ القَهّارُ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي أسْبَغَ نِعْمَتَهُ عَلى سائِرِ بَرِيَّتِهِ، وفاوَتَ بَيْنَهم في عَطِيَّتِهِ، فَكانَ كُلٌّ ساخِطًا لِحالَتِهِ في كَبَدِ ما يُهِمُّهُ في خاصَّتِهِ وعامَّتِهِ لِحُكْمٍ تَعْجِزُ الأفْكارُ ”الرَّحِيم“ الَّذِي خَصَّ أهْلَ وِلايَتِهِ بِما يُرْضِيهِ عَنْهم مِن أقْضِيَتِهِ فَيُوصِلُهم إلى جَنَّتِهِ ويُنْجِيهِمْ مِنَ النّارِ. * * * لَمّا خَتَمَ كَلِماتِ الفَجْرِ بِالجَنَّةِ الَّتِي هي أفْضَلُ الأماكِنِ الَّتِي يَسْكُنُها الخَلْقُ، لا سِيَّما المُضافَةُ إلى اسْمِهِ الأخَصُّ المُؤَذِّنُ بِأنَّها أفْضَلُ الجِنانِ، (p-٤٦)بَعْدَ ما خَتَمَ آياتِها بِالنَّفْسِ المُطْمَئِنَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الأمارَةِ الَّتِي وقَعَتْ في كَبِدِ النَّدَمِ الَّذِي يَتَمَنّى لِأجْلِهِ العَدَمَ، بَعْدَ ما تَقَدَّمَ [مِن] أنَّها لا تَزالُ في كَبِدِ ابْتِلاءِ المَعِيشَةِ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِالأمارَةِ مُقْسِمًا في أمْرِها بِأعْظَمِ البِلادِ وأشْرَفِ أُولِي الأنْفُسِ المُطْمَئِنَّةِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا بِالنّافِي مِن حَيْثُ إنَّهُ يَنْفِي ضِدَّ ما ثَبَتَ مِن مَضْمُونِ الكَلامِ مَعَ القَطْعِ بِأنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ [بِهِ] غَيْرَ ذَلِكَ: ﴿لا أُقْسِمُ﴾ أيْ أُقْسِمُ قَسَمًا أُثْبِتُ مَضْمُونَهُ وأنْفِي ضِدَّهُ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ النَّفْيُ عَلى ظاهِرِهِ، والمَعْنى أنَّ الأمْرَ في الظُّهُورِ غَنِيٌّ عَنِ الإقْسامِ حَتّى بِهَذا القَسَمِ الَّذِي أنْتُمْ عارِفُونَ بِأنَّهُ في غايَةِ العَظَمَةِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٦] ﴿بِهَذا البَلَدِ﴾ أيِ الحَرامِ وهو مَكَّةُ الَّتِي لا يَصِلُ إلَيْها قاصِدُوها إلّا بِشِقِّ الأنْفُسِ، ولا يَزْدادُونَ لَها مَعَ ذَلِكَ إلّا حُبًّا، الدّالُّ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَها خَيْرَ البِلادِ، وقَذَفَ حُبَّها في قُلُوبِ مَنِ اخْتارَهم مَن كُلِّ حاضِرٍ وبادٍ، لِأنَّها تَشَرَّفَتْ في أوَّلِها وآخِرِها وأثْنائِها بِخَيْرِ العِبادِ، ولَمْ يَصِفْهُ بِالأمْنِ لِأنَّهُ لا يُناسِبُ سِياقَ المَشَقَّةِ بِخِلافِ ما في التِّينِ، فَإنَّ المُرادَ هُناكَ الكِمالاتُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب