الباحث القرآني
ولَمّا حَقَّرَ أمْرَهم بِتَقْسِيمِ اعْتِمادِهِمْ عَلى رُؤَسائِهِمْ، وحالُهم مَعْرُوفٌ في أنَّهُ لا نَفْعَ عِنْدِهِمْ ولا ضُرَّ، وأعْلى أمْرِ أهْلِ اللَّهِ بِاجْتِماعِهِمْ عَلَيْهِ وهو القادِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وكانَ الإقْبالُ عَلى الدُّنْيا أعْظَمَ أمارَةٍ عَلى الخِذْلانِ ولَوْ أنَّهُ بِحَقٍّ فَكَيْفَ إذًا بِالباطِلِ! أقْبَلَ سُبْحانَهُ وعَزَّ شَأْنُهُ عَلى أهْلِ وُدِّهِ مُسْتَعْطِفًا مُتَلَطِّفًا مُنادِيًا بِاسْمِ الإيمانِ الَّذِي بَنى أمْرَهُ في أوَّلِ هَذا الكِتابِ عَلى الإنْفاقِ لا عَلى التَّحْصِيلِ ولَوْ كانَ بِحَقٍّ، فَكَيْفَ إذا كانَ بِباطِلٍ، ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ، مُنَبِّهًا عَلى سَفَهِ مَن تَرَكَ مَن لا يَسْألُهُ عَلى بَذْلِ الهُدى والدَّعْوَةِ إلى دِينِ الحَقِّ أجْرًا وهو سَفِيرٌ مَحْضٌ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى، ولَمْ يَعْتَقِدْهُ رَسُولًا واتَّخَذَ مَرْبُوبًا مِثْلَهُ وهو يَأْخُذُ مالَهُ بِالباطِلِ رَبْوًا، وذَلِكَ مُقْتَضٍ لِتَحْقِيرِهِمْ لا لِمُطْلَقِ تَعْظِيمِهِمْ فَضْلًا عَنِ الرُّتْبَةِ الَّتِي أنْزَلُوهم بِها وأهَّلُوهم لَها مَعَ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِمْ لِقَصْدِ أكْلِ أمْوالِهِمْ بِالباطِلِ فَقالَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: أقَرُّوا بِإيمانِ داعِيهِمْ مِنَ التَّكْذِيبِ ومِمّا يَؤُولُ إلَيْهِ ﴿إنَّ كَثِيرًا مِنَ الأحْبارِ﴾ (p-٤٤٦)أيْ: مِن عُلَماءِ اليَهُودِ ﴿والرُّهْبانِ﴾ أيْ: مِن زُهّادِ النَّصارى ﴿لَيَأْكُلُونَ﴾ أيْ: يَتَناوَلُونَ، ولَكِنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِأنَّهُ مُعْظَمُ المُرادِ مِنَ المالِ، وإشارَةً إلى تَحْقِيرِ الأحْبارِ والرُّهْبانِ بِأنَّهم يَفْعَلُونَ ما يُنافِي مَقامَهُمُ الَّذِي أقامُوا أنْفُسَهم فِيهِ ﴿أمْوالَ النّاسِ بِالباطِلِ﴾ أيْ: بِأخْذِها بِالرُّشى وأنْواعِ التَّصَيُّدِ بِإظْهارِ الزُّهْدِ والمُبالَغَةِ في التَّدَيُّنِ المُسْتَجْلِبِ لَها بِالنُّذُورِ ونَحْوِها فَيَكْنِزُونَها ولا يُنْفِقُونَها في سَبِيلِ اللَّهِ مَن أتاهم بِها بِالإقْبالِ بِقُلُوبِ عِبادِهِ إلَيْهِمْ.
ولَمّا أخْبَرَ عَنْ إقْبالِهِمْ عَلى الدُّنْيا، أتْبَعَهُ الإخْبارَ عَنْ إعْراضِهِمْ عَنِ الآخِرَةِ فَقالَ: ﴿ويَصُدُّونَ﴾ أيْ: يَحْتالُونَ في صَرْفِ مَن يَأْتِيهِمْ بِتِلْكَ الأمْوالِ وغَيْرِهِمْ ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: دِينِ المَلِكِ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ بِإبْعادِهِمْ عَنْهُ بِإخْفاءِ الآياتِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ عَنْهم خَوْفًا عَلى انْقِطاعِ دُنْياهم بِزَوالِ رِئاسَتِهِمْ لَوْ أقْبَلَ أُولَئِكَ عَلى الحَقِّ.
ولَمّا كانَ أكْثَرُهم يَكْنِزُونَ تِلْكَ الأمْوالَ، شَرَعَ سُبْحانَهُ عَلى مُطْلَقِ الكَنْزِ، فَفُهِمَ مِن بابِ الأوْلى الصَّدُّ الَّذِي هو سَبَبُ الجَمْعِ الَّذِي هو سَبَبُ الكَنْزِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ﴾ أيْ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ والحالُ أنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّ الَّذِينَ ﴿يَكْنِزُونَ﴾ أيْ: يَجْمَعُونَ تَحْتَ الأرْضِ أوْ فَوْقَها مِن قَوْلِهِمْ لِلْمُجْتَمِعِ اللَّحْمِ: مُكْتَنِزٌ ﴿الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ أيْ: مِنهم ومِن غَيْرِهِمْ مِن غَيْرِ تَزْكِيَةٍ.
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُما أجَلُّ مالِ النّاسِ، وكانَ الكَنْزُ دالًّا (p-٤٤٧)عَلى المُكاثَرَةِ فِيهِما، أعادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِما بِما يَدُلُّ عَلى الأنْواعِ الكَثِيرَةِ فَقالَ: ﴿ولا يُنْفِقُونَها﴾ أيْ: يُنْفِقُونَ ما وجَبَ عَلَيْهِمْ مِن هَذِهِ الأمْوالِ الَّتِي جَمَعُوها مِن هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ أوْ مُنْفَرِدَيْنِ، ولَوْ ثَنّى لِأوْهَمَ أنَّ اجْتِماعَها شَرْطٌ لِلتَّرْهِيبِ، وإنَّما أعادَ الضَّمِيرَ عَلَيْها مِن غَيْرِ ذِكْرِ ”مِن“ - وهي مُرادَةٌ - لِمَزِيدِ التَّرْغِيبِ في الإنْفاقِ والتَّرْهِيبِ مِن تَرْكِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلى الفِضَّةِ؛ لِأنَّ الذَّمَّ عَلى كَنْزِها، والحاجَةَ إلَيْها لِكَثْرَتِها أقَلُّ، فالذَّمُّ عَلى كَنْزِ الذَّهَبِ مِن بابِ الأوْلى لِأنَّهُ أعْلى مِنها وأعَزُّ بِخِلافِ الذَّمِّ عَلى كَنْزِ الذَّهَبِ؛ وقالَ الحَرالِّيُّ في آلِ عِمْرانَ: فَأوْقَعَ الإنْفاقَ عَلَيْهِما ولَمْ يَخُصَّهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَكُنْ، ولا يُنْفِقُونَ مِنها كَما قالَ في المَواشِي [خُذْ مِن أمْوالِهِمْ] لِأنَّ هَذَيْنِ الجَوْهَرَيْنِ خَواتِمُ يَنالُ بِها أهْلُ الدُّنْيا مَنافِعَهم وقَدْ صَرَفَ عَنْهُمُ الِانْتِفاعَ بِهِما فَلَمْ يَكُنْ لِوُجُودِهِما فائِدَةٌ إلّا بِإنْفاقِهِما لِأنَّهُما صَنَما هَذِهِ الأُمَّةِ، فَكانَ كَسْرُهُما بِإذْهابِهِما. انْتَهى.
﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيِ: الوَجْهِ الَّذِي أمَرَ المَلِكُ الأعْلى بِإنْفاقِها فِيهِ ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ أيْ: نَقُولُ فِيهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَهَكُّمًا بِهِمْ: بَشِّرْهم ﴿بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ عِوَضًا عَمّا أرادُوا مِنَ السُّرُورِ بِإنْجاحِ المَقاصِدِ.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَیَأۡكُلُونَ أَمۡوَ ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَیَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِینَ یَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق