الباحث القرآني
ولَمّا كانَ في بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الغُرُورِ بِالكَثْرَةِ ما يُكْسِبُها سَكْرَةً تُغْفِلُها عَنْ بَعْضِ مَواقِعِ القُدْرَةِ، ساقَ قِصَّةَ حُنَيْنٍ دَلِيلًا عَلى ذَلِكَ الَّذِي أبْهَمَهُ مِنَ التَّهْدِيدِ جَوابًا لِسائِلٍ كانَ كَأنَّهُ قالَ: ما ذاكَ الأمْرُ الَّذِي يُتَرَبَّصُ لِإتْيانِهِ ويُخْشى مِن عَظِيمِ شَأْنِهِ؟ فَقِيلَ: الذُّلُّ والهَوانُ والِافْتِقارُ والِانْكِسارُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: بِأنْ يُسَلِّطَ القَدِيرُ عَلَيْكم - وإنْ كُنْتُمْ كَثِيرًا - أقْوِياءَ غَيْرَكم وإنْ كانُوا قَلِيلًا ضُعَفاءَ كَما سَلَّطَكم - وقَدْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ - حَتّى صِرْتُمْ إلى ما صِرْتُمْ إلَيْهِ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الأعْلى مَعَ شِدَّةِ ضَعْفِكم ﴿فِي مَواطِنَ﴾ أيْ: مَقاماتٍ ومَواقِفَ وأماكِنَ تُوَطِّنُونَ فِيها أنْفُسَكم عَلى لِقاءِ عَدُوِّكم ﴿كَثِيرَةٍ﴾ أيْ: مِنَ الغَزَواتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَكم كَبَدْرٍ وقُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ وقَيْنُقاعَ والحُدَيْبِيَةِ وخَيْبَرَ وغَيْرِها مِن مُخاصَماتِ الكُفّارِ، وكُنْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ والقِلَّةِ والِانْكِسارِ بِحالٍ لا يُتَخَيَّلُ مَعَها نَصْرُكم وظُهُورُكم عَلى جَمِيعِ الكُفّارِ وأنْتُمْ فِيهِمْ كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، وما وكَلَكم (p-٤٢٤)إلى مُناصَرَةِ مَن تَقَدَّمَ أمْرُهُ لَكم بِمُقاطَعَتِهِمْ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ مَن أطاعَ اللَّهَ ورَجَّحَ الدِّينَ عَلى الدُّنْيا آتاهُ اللَّهُ الدِّينَ والدُّنْيا عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ وإنْ عاداهُ النّاسُ أجْمَعُونَ، ودَلَّ بِما بَعْدَها مِن قِصَّةِ حُنَيْنٍ عَلى أنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلى الدُّنْيا فاتَهُ الدِّينُ والدُّنْيا إلّا أنْ يَتَدارَكَهُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنهُ فَيَرْجِعَ بِهِ. فَقالَ تَعالى:﴿ويَوْمَ﴾ أيْ: ونَصَرَكم بَعْدَ أنْ قَوّاكم وكَثَّرَكم هو وحْدَهُ، لا كَثْرَتُكم وقُوَّتُكم يَوْمَ ﴿حُنَيْنٍ﴾ وهو وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ إلى جانِبِ ذِي المَجازِ، وهو إلى مَكَّةَ أقْرَبُ، وراءَ عَرَفاتٍ إلى الشَّمالِ.
ولَمّا كانَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وقْشٍ الأنْصارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ قالَ حِينَ التَقى الجَمْعانِ وأعْجَبَتْهُ كَثْرَةُ النّاسِ: لَنْ نُغْلَبَ اليَوْمَ مِن قِلَّةٍ! فَساءَ النَّبِيَّ ﷺ كَلامُهُ وأنْ يَعْتَمِدَ إلّا عَلى اللَّهِ، وكانَ الإعْجابُ سُمًّا قاتِلًا لِلْأسْبابِ، أدَّبَنا اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الغَزْوَةِ بِذِكْرِ سُوءِ أثَرِهِ لِنَحْذَرَهُ، ثُمَّ عادَ سُبْحانَهُ بِالإنْعامِ لِكَوْنِ الَّذِي قالَهُ شَخْصًا واحِدًا كَرِهَ غَيْرُهُ مَقالَتَهُ. فَقالَ: ﴿إذْ﴾ أيْ: حِينَ ﴿أعْجَبَتْكم كَثْرَتُكُمْ﴾ أيْ: فَقَطَعْتُمْ لِذَلِكَ أنَّهُ لا يَغْلِبُها غالِبٌ، وأسْنَدَ سُبْحانَهُ الفِعْلَ لِلْجَمْعِ إشارَةً إلى أنَّهم لِعُلُوِّ مَقامِهِمْ يَنْبَغِي أنْ لا يَكُونَ مِنهم مَن يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنْكم شَيْئًا﴾ أيْ: مِنَ الإغْناءِ ﴿وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ﴾ أيِ: الواسِعَةُ ﴿بِما رَحُبَتْ﴾ أيْ: مَعَ اتِّساعِها فَصِرْتُمْ لا تَرَوْنَ أنَّ فِيها مَكانًا يُحَصِّنُكم مِمّا أنْتُمْ فِيهِ لِفَرْطِ الرُّعْبِ، فَما ضاقَ في الحَقِيقَةِ إلّا ما كانَ (p-٤٢٥)مِنَ الآمالِ الَّتِي سَكَنَتْ إلى الأمْوالِ والرِّجالِ، ولَعَلَّ عَطْفَهُ - لِتَوَلِّيهِمْ بِأداةِ التَّراخِي في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ولَّيْتُمْ﴾ أيْ: تَوْلِيَةً كَثِيرَةً ظُهُورَكُمُ الكُفّارَ، وحَقَّقَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُدْبِرِينَ﴾ أيِ: انْهِزامًا مَعَ أنَّ الفِرارَ كانَ حِينَ اللِّقاءِ لَمْ يَتَأخَّرْ - إشارَةً إلى ما كانَ عِنْدَهم مِنَ اسْتِعْبادِهِ اعْتِمادًا عَلى القُوَّةِ والكَثْرَةِ
{"ayah":"لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِی مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











